«أهل مكة أدرى بشعابها»، ربما كانت هذه العبارة الأكثر تداولا هذه الأيام، حيث يمكن للعارفين بالطرق الترابية أن يتسللوا من جدة وما حولها إلى المشاعر المقدسة متجاوزين عشرات نقاط التفتيش. والملاحظ هو أن أعدادا من المقيمين والمخالفين لأنظمة الإقامة يحاولون الدخول إلى مكةالمكرمة بعد انتهاء المهلة المحددة لإصدار تصاريح الحج بطرق غير مشروعة، حتى أن البعض منهم يحاول عبور المنافذ متنكرين في أزياء نسائية، والبعض الآخر يتسللون عبر الجبال والأودية. وتظل الأيام من الرابع من ذي الحجة إلى صباح يوم التاسع منه، تشهد فيها طرق وادي فاطمة في محافظة الجموم أحد أقرب الأودية لمكةالمكرمة، وإحدى البوابات المؤدية لأم القرى، معبرا للمتسللين من خلال عين شمس وأبي شعيب، وعادة ما يسلك المتجاوزون طريق عين شمس العام، ثم يتحولون إلى طريق ترابي يؤدي إلى طريق جعرانة/بئر الغنم مرورا بالخضراء. والسؤال الذي تطرحه هذه القضية: لماذا تتحول المعابر الترابية خلال الأيام التي تسبق وقفة عرفات، إلى منافذ للمتسللين غير النظاميين؟ وما الآلية المتبعة لقطع الطريق أمامهم، ومدى الحاجة لتنفيذ إجراءات أكثر صرامة لسد هذه المنافذ أمام الذين لا يحملون تصاريح الحج؟ طريق التهريب هكذا يعرف منذ أكثر من 25 عاما، فلم نكن بحاجة لمعرفة سر هذه التسمية، لأن الطريق بالفعل سهل للتهريب. والطريق يبدأ من مدخل واسع ثم يضيق ويتسلل داخل أحياء عشوائية في ضاحية العمرة البوابة الشمالية لمكةالمكرمة، ثم يمر بعدة شعاب ضيقة ليصل إلى طريق جدةمكةالمكرمة القديم، ما يمكن المتسللين من الوصول إلى المشاعر المقدسة أو المواصلة إلى جدة. طريق الفيحاء يعتبر من الطرق الحديثة التي أوجدتها توسعات المخططات السكنية التي ربطت أحياء الفيحاء بمخططات البحيرات، فحتى قبل تسع سنوات لم يكن هذا الطريق معروفا، لكنه اليوم يعتبر من أنشط الطرق التي تربط الخطوط الخارجية بشمال مكةالمكرمة، ولعل ما يميز هذا الطريق أنه سهل الاستخدام وواسع ويمر بأحياء مخططة، ولا يعرف مستخدموه التوقف أو التحقق لأنه لم توضع عليه نقاط تفتيش ولو مؤقتة. الخطوط الخارجية ومن أشهرها طريق الخواجات وطريق الجموم/حدا، وطريق الجموم/الريان القوبعية، وهذه الطرق يزيد طولها على 55 كم، وهي لا تعرف نقاط التفتيش بل إن مركز العقروب على طريق الريان الجموم ألغي منذ ثلاثة أشهر تقريبا، ما ساهم في توسيع بوابات التهريب، فيما كان المركز كثيرا ما يحبط المتسللين غير النظاميين المتجهين من الرياض والشرقية إلى مكةالمكرمة داخل البرادات المتحركة أو الخلاطات. منفذ الشميسي يعتبر الشميسي في جدة، أكبر منفذ يتدفق منه ضيوف الرحمن إلى مكة ويعج بكثافة السيارات والمركبات التي تقل ضيوف الرحمن، وهناك يقف رجال الأمن للكشف عن الأساليب المختلفة التي يتخذها المتسللون الذين يحاولون دخول مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، دون حصولهم على تصاريح الحج، إضافة إلى الكشف عن محاولات التنكر والمرور عبر نقاط التفتيش الأخرى، حيث يحاول البعض استغلال موسم الحج ونقل المخالفين وتهريبهم بطرق غير نظامية. التسلل ليلا وقال صالح الحربي (صاحب منزل في مكة متاخم لطريق المدينة) إن عمليات تسلل الحجاج غير النظاميين تبدأ ليلا لتفادي حرارة الشمس وأعين دوريات الجوازات. سعود المجنوني (من مكة أحد الذين وقفوا على حالات لتهريب سيارات مشبوهة)، أكد أن مغادرة دوريات المجاهدين للموقع بعد موسم الحج مباشرة، تساهم في مساعدة المهربين والمشبوهين في تحقيق مآربهم لسبب مهم جدا هو أن الطريق نافذ وسريع وسري وغير مأهول، ومن خلاله يمكن تجاوز مركز تفتيش النوارية. مضيفاً أن بعض أصحاب المركبات ينقلون الحجاج المخالفين للأنظمة، وفيما علمت أن تسعيرة النقل وصلت في هذه الأيام من 350-500 ريال للفرد الواحد. لا حج بلا تصريح إلى ذلك يؤكد وكيل وزارة الحج لشؤون الحج حاتم بن حسن قاضي أن الوزارة ستطبق التعليمات الخاصة بتنظيم حجاج الداخل بالتنسيق والتعاون وتضافر الجهود مع بقية الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن، مشيرا إلى أن الخطة الإعلامية تم تنفيذها بعدة وسائل منها استخدام اللوحات الإعلامية الموجودة على الطرقات الرئيسة المؤدية إلى مكةالمكرمة. وأشار إلى دراسة أعدها معهد أبحاث الحج، كشفت عن نجاح الخطة الإعلامية في الحد من مشكلة تزايد أعداد حجاج الداخل للحج دون تصريح، حيث تم تكثيف الجهود الأمنية من قبل رجال الجوازات في منافذ الدخول ال13 إلى مكةالمكرمة، حيث تم إحباط محاولات التسلل والدخول دون تصريح إلى مكةالمكرمة من المنافذ الرئيسة وخاصة من الشميسي، وطريق أم الجود، وطريق الليث، وطريق التنعيم، وطريق العمرة، ولقد أسفرت الجهود الأمنية عن منع المخالفين لتعليمات الحج وإعادتهم، إضافة إلى أنه تم القبض على حالات تزوير لتصاريح الحج وحالات تهريب الحجاج إلى مكةالمكرمة. ورغم الجهود المكثفة لمنع الحج دون تصريح، فإن بعض الحجاج وخاصة المقيمين استطاعوا العام الماضي الدخول إلى مكةالمكرمة يومي 8 و9 ذي الحجة عبر منافذ الشميسي والسيل وخط الليث، كما لوحظ أن أعدادا كبيرة من الساكنين في مكةالمكرمة من المقيمين والمواطنين استطاعوا الدخول إلى عرفات مشيا على الأقدام، تاركين سياراتهم عند مدخل عرفات، وأن أعدادا كبيرة من الساكنين في مكةالمكرمة استطاعوا الدخول إلى منى يوم التروية مشيا على الأقدام معظمهم من المقيمين والمتخلفين، حيث اتضح أن المواطنين أكثر التزاما بالتعليمات، وأن معظمهم استجابوا لحملة «لا حج دون تصريح». محظور وإثم عظيم ووفقا لبحث ميداني للشيخ صالح اللحيدان المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط ينقسم الحجاج إلى خمسة أقسام؛ الأول من يتسللون للحج في رمضان أو قبله بحجة العمل وهم لا يحملون بطاقات على الأقل، وأغلبهم من أهل اليمن ومالي والنيجر والسنغال وجنوب شرق آسيا، وهؤلاء قلة غالبا ما يقعون في محظور شديد، ويرتكبون إثما عظيما فيما يتعلق بالحج، بخروجهم عن طاعة ولي الأمر بالتصريح الذي لا بد منه من باب المصلحة العامة. والقسم الثاني؛ هم الذين يأتون عن طريق المركبات، فيدفعون لصاحب السيارة مبالغ كبيرة، فإذا جاؤوا إلى نقطة التفتيش لبسوا الثياب، وإذا دخلوا مكة نزعوها، ومن باب الجهل لا يفدون لأنهم لبسوا المخيط، ولحرص صاحب الناقلة على مصلحته المادية، يرتكب هؤلاء إثما عظيما وبعضهم أبطل الحج. والقسم الثالث؛ هم الذين يركبون مع أصحاب السيارات ولا يلبسون إحراما، فإذا دخلوا مكة لبسوا الإحرام وفدوا دما، وهؤلاء المتسللون أيضا يقعون في خطأ. والقسم الرابع؛ هم الذين يتسللون عن طريق الأقارب في مكة أو الشرائع أو في الزيمة أو بحرة أو في جدة فيدخلونهم بأسماء مزورة. والقسم الخامس؛ هو أن بعض الذين يقفون على المنافذ قد يتساهلون في دخول البعض وغالبا ما يكون في يومي الثامن والتاسع من الحجة. مخافة لولي الأمر من جانبه، أكد عازب آل مسبل رئيس لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى، أن الذي يؤدي مناسك الحج دون تصريح رسمي يخولهم لأداء النسك، يعتبر مخالفا لولاة الأمر وآثما، وهناك قوانين سنت ليكون الحج بتصريح لما فيه المصلحة العامة، ومخالفة ذلك فيها ضرر على الحاج نفسه وضد مصلحته، فهو إن سمح لنفسه بالمخالفة، فهناك كثيرون غيره سوف ينتهجون ذات الطريقة، وبذلك تعم الفوضى، فلا حج إلا بتصريح لتسير الأمور في مسارها الصحيح، حتى نتجب الإشكالات التي من الممكن أن تواجه الحاج في أداء مناسكه بيسر وسهولة. حج غير جائز ويتفق رأي الدكتور محمد النجيمي عضو المجمع الفقهي الإسلامي مع الرأي السابق أن الحج دون تصريح غير جائز، ويعتبر مخالفة لأمر ولي الأمر الذي أمر بألا يحج الشخص إلا بعد مرور خمس سنوات على حجته، واعتمد في عدم جواز الحج دون تصريح على الحديث القدسي الذي فضل الله عز وجل لعبده فيه أن يحج بعد انقضاء خمس سنوات على حجته الأولى، ومن يخالف هذا الأمر يؤثم، ذلك أنه يعتبر مخالفة لأمر ولي الأمر. وأضاف الدكتور النجيمي: إحلال الإحرام للشخص الذي دخل دون تصريح بعد اكتشاف أمره إذا كان قد قال (وإذا حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، فإنه يحل الإحرام ويلبس ثوبه مباشرة ولا شيء عليه، كونه ليس متأكدا من ضبطه، فيعتبر مثل المريض الذي يغلب على ظنه المرض، فيقول هذا الدعاء، وقد كانت أم رباعة شاكية أي مريضة، فقال لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) «قولي وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني» ذلك أنها شبه متأكدة أن المرض سوف يتعبها، وهؤلاء شبه متأكدين أنه سوف يقبض عليهم، أما إذا لم يقل هذه العبارة، فعليه دم ولا بد أن يذبح هدي الإحصار، فإن لم يستطع فصيام عشرة أيام، أما حكم من دخل إلى مكة دون تصريح في الثامن والتاسع من الحج، فحجه صحيح على كل حال، ولكنه آثم بمخالفته لولي الأمر. تحقيق المصالح من جانبه، قال الشيخ الدكتور عبدالمحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي إن التنظيم مبني على مصالح ودفع مفاسد، مشيرا إلى أن التنظيم في مصلحة الجميع. وأضاف قائلا: يجب على الناس أن يطيعوا ولي أمرهم، وأن يعملوا بهذه التنظيمات. وأضاف أن التحايل على النظام يعد أنانية ومخالفة للأنظمة، كما أنه يحدث مضايقات للحجيج. فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء قال: من حج دون الحصول على تصريح رسمي فحجه صحيح، ولكنه آثم وعاص لله عز وجل. على مدار الساعة وأكد قائد مراكز الجوازات في مداخل مكةالمكرمة العقيد محمد بن جويبر السلمي أن رجال الجوازات متواجدون حتى صباح العاشر من ذي الحجة، بحيث لن يسمح بدخول مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة إلا بتصريح حج، مؤكدا أن ضباط وأفراد نقاط التفتيش أكفاء، تم اختيارهم بعناية، وأن الأساليب والطرق التي يحاول المتخلفون اتباعها يتم رصدها، واستطاعت الجوازات أن تعيد عددا كبيرا من الحجاج الذي لا يحملون تصاريح حج، إضافة إلى القبض على أكثر من 2900 مخالف لأنظمة الإقامة، وكان لمفتشات القسم النسائي دور بارز في الكشف عن بعض الحالات التي حاولت أن تدخل إلى مكةالمكرمة بملابس نسائية، حيث تم التعامل معها. إعادة مخالفين في المدينة وفي المدينةالمنورة رصدت «عكاظ» في جولتها على مركز جوازات الهجرة إعادة أكثر من 30 حاجا من الحجاج المخالفين خلال نصف ساعة (70 في المائة) منهم غير سعوديين يستقلون سيارات صغيرة وباصات أهلية تعود ملكيتها لقائدي تلك الباصات. وإلى ذلك، علق رئيس جوازات مركز الهجرة العقيد فالح بن عبد الحميد الحازمي أن جوازات منطقة المدينةالمنورة منذ بداية ذي القعدة رصدت الحجاج المخالفين للأنظمة والتحقق من هوياتهم، وإعادة من يحملون وثائق نظامية، فيما يرحل المخالفون للأنظمة من خلال تسليمهم لإدارة الجوازات في المنطقة.