أصابني الأرق ليلة البارحة، فغفوت لدقائق ولكن فرحي لمجيء النوم لم يكتمل بسبب ديك الجيران الذي بدأ يؤذن وبشكل متواصل منذ منتصف الليل، وقصة الديك تلاحقني في أي بلد بلا مبالغة داخل المملكة وخارجها، وبالذات الدول العربية من البحرين شرقا إلى المغرب غربا. صوته المزعج يوقظني من النوم، وكنت أحسد من لا يستيقظ بأذان الديك. تذكرت ابنتي – ريم – قبل ثلاثين عاما وهي صغيرة تغني: أذن الديك وقوقو يحسبني دجاجة ما درى إني سعيدة بنت شيخ البساسة جاري هذا صاحب الديك لم أر وجهه منذ سكنت في هذا الحي قبل خمس سنوات، ذكر أحد أبنائي أنه رآه مرة يخرج بسيارته من المنزل، وهذا المنزل جعله كثكنة عسكرية مرتفعة الحيطان وغير المرتفع وضع في أعلاه صفائح حديدية، فلا نسمع له صوتا، وقد كفانا خيره وشره، ولكن أسلافنا أوصونا بسابع جار وقالوا: الجار قبل الدار. نعود للديك وما أدراك ما الديك .. هناك من يتفاءل بسماع صوته، وأنه يسبح لله، وعندما يؤذن ليلا فهو يطرد الشياطين. لقد سعدت بانقطاع صوت الديك قبل سنتين بعد أن تعرفت على من يعرف جاري، وشكوت له الحال .. ولكن الديك ليلة البارحة عاد بقوة وكأنه ينتقم مني ويعوض ما فاته خلال السنتين الماضيتين، صحيح أن ضجيج مكيفات الهواء بالصيف تمنع عنك الأصوات الأخرى .. ولكن الخريف قد بدأ وغدا الشتاء وليس هناك أصوات تمنع سماع أذان الديك .. أعانني الله على تحمل الأرق وفراق النوم. لعلي أذكر بالمناسبة ما سبق أن تطرق له الراحل عبد العزيز مشري في روايته (في عشق حتى) عندما كان يعمل في صحيفة اليوم ويسكن بالدمام ويداوم على غسل الكلى (الديلزة) ثلاثة أيام بالأسبوع فهو زبون دائم للمستشفيات وقد تضطره ظروفه الصحية للتنويم لأيام خلاف مداومته على الغسل، وكان وقتها رغم معاناته يعيش حالة حب جارفة مع زوجته الفلسطينية فيما بعد وكانت تعيش مرافقة لأختها المتزوجة في القاهرة، فكان يتولى الحجز بالطائرة عصر الأربعاء بعد خروجه من المستشفى وإلى القاهرة حيث ينام ليلتين ليلة الخميس وليلة الجمعة ليعود بعد ظهرالجمعة للدمام بعد لقاء سريع ب (حتى) .. هذه المشقة التي يتكبدها مريض مثله ولا يحصل منها إلا على لقاء سريع وعابر، ليعود بعد ذلك منهكا وربما يتجه للمستشفى أحيانا بدل المنزل، على أي حال كان المشري – رحمه الله – يشكو من الديك وإزعاجه بعد لقاء حبيبته، فهو يحاول النوم ليستيقظ مبكرا لعله يحظى بلقاء آخر قبل ذهابه للمطار عائدا. وهكذا في السفرة الثانية أو العاشرة لا يجد محبوبته (حتى) فقد ذهبت لزيارة جدتها في إحدى القرى البعيدة .. فلا تلفون ولا عنوان فيتصل بقريبتها ليعطيها عنوانه علها تعود أو تتصل .. ولكن المفاجأة أن تتصل به مسؤولة استعلامات الفندق طالبة منه إخلاء الغرفة لوصول مجموعة من السياح الأجانب .. فيبحث عن فندق آخر .. فيجد «.. فندقا منغمسا في حارة داخلية، ولم ينأ عن حنين جديد، ارتبط بأذان ديك متكرر، يأتيه من سطح بيت ملاصق لغرفته، لقد اطمأن كثيرا بهذا المؤنس، الذي أعطاه كامل إصغائه كلما تقهقرت الشمس في لفافتها ..». ولهذا سمى الفندق (بجار الديك) . أرجو من جاري العزيز أن يقرأ هذا الكلام ويحس بمعاناتي ويبحث عن وسيلة لخفظ صوت ديكه العزيز أو وضع كاتم للصوت فالمكتشفات الحديثة في تزايد، ولله الحمد. وليلة البارحة قبل أن أكمل مقالي هذا وجدت أن هناك ديكا آخر بدأ يتجاوب مع ديك جاري العزيز فبدأ كل منهما يرفع صوته بأعلى ما يمكن مستملحا صوته. وبالمناسبة فإن كثيرا من الناس يستلمحون الديك، صوته، ولحمه، وشكله، ولكن المشكلة التي أعاني منها أو قد يعاني منها أي شخص أن الديك المجاور لي يصيح في أي وقت شاء، وكيفما شاء، وأينما شاء. وقد سمعنا أن في أوروبا محاكم لمحاكمة الحيوانات، فهل يا ترى أستطيع أن أقدم هذا الديك المزعج إلى محكمة مماثلة، على الأقل لأخذ تعهد عليه بعدم الصياح إلا في أوقات مخصوصة. قد تكون هذه الأفكار جنونية، بل هرطقة، ولكن ما أعانيه ليلا من هذا الديك يقودني إلى الجنون فعلا - لا قدر الله -. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة