أعترف بأنني هزمت في الدفاع عن شاطئك ورفعت الراية البيضاء، ولذلك فسأرحل بعيدا عنك، بداية من الإجازة القريبة القادمة، وبعد ذلك، إن استطعت، في كل إجازة. لأنك، بدون شاطئك، لست جدة التي أعرفها. سأترك الشاطئ لمرتادي المطاعم التي غطت ساحلك كي يلتهموا الناجل والشعور والحريد. سوف أعتبرك، مثل الكثيرين الذين يأتون إليك، مكانا للعمل وجمع المال وحسب، ثم بعثرته في الخارج، وليس مكانا للعيش فأنت، بدون شاطئك، بصراحة، لا طعم لك. لذا لا بد من السفر. لن أذهب في هذه الإجازة إلى شواطئ جدة كما فعلت في عيد الفطر الماضي حين لخبط علينا انقطاع الكهرباء البرنامج وجعلنا نرجع مسرعين. ربما أذهب هذه المرة إلى فندق أتلانتيس في دبي لكي أعيش بين الأسماك وأحملق في مياه الخليج وفي أصناف البشر التي تأتي من شتى بقاع العالم، وسأفرغ كل ما في جيبي. سوف أسبح مع الدلافين ولكن ذلك سيذكرني بمنظر الدلفين الذي رأيته ذات مرة تائها في خليجك. لا.. لن أذهب إلى هناك هذه المرة. قد أذهب إذاً إلى شرم الشيخ، وسأرى مجموعات الغواصين الذين يأتون لمشاهدة الشعاب المرجانية التي تشبه شعابك قبل أن تتحول إلى خراب، ولمراقبة أسراب الأسماك الصغيرة الزرقاء والصفراء والملونة وهي نفسها الأسماك التي كانت تمرح على ساحلك. سأرى كيف كان بحرك النقي يوم كنا لا نشبع من السباحة فيه وسيصيبني ذلك بالقهر، لذا من الأفضل ألا أذهب. سأذهب إلى مارينا 5 على الساحل الشمالي في مصر ولكن ذلك سيدفعني للمقارنة بين ذلك الشاطئ وشاطئ «الإسكندرية» على خليجك، وبالتأكيد سيصيبني ذلك بالغم. لذا لن أذهب. سوف أبتعد عن الشرق الأوسط كله فأذهب إلى كيب تاون بجنوب إفريقيا لأندس بين الرمال البيضاء الممتدة على ساحلها الطويل والتي تشبه رمالك يوم كنت أمشطها بحثا عن الأصداف. ولكن.. تذكرت الآن..الفصول في كيب تاون معكوسة وسيكون الجو باردا هناك ولن أتمكن من الاسترخاء على تلك الرمال لساعات طويلة كما كنت أفعل هنا فوق رمالك الدافئة. إذا فلأرحل إلى بينانج بماليزيا لأسبح في مياهها، ولكن، بالتأكيد سأصادف الكثير من أبنائك هناك وسيذكرونني بك، وقد يكون من بينهم من فرط بساحلك ثم ذهب إلى بينانج ليستمتع بالسباحة هناك. لا لن أذهب إلى بينانج. بالأمس رأيت «كاركاتيرا» في إحدى جرائدنا لشخص يصطاد السمك في مرحاض مليء بالنفايات، وبدون أن أشعر انفلتت مني عبرة، تحركت بسرعة لأمسحها بكمي قبل أن تلاحظني ابنتي التي تتعجب لماذا أنا، على غير عادتي، مصر على السفر. لا بد من السفر بعد هزيمة الشاطئ وهزيمتي. لا بد من السفر إلى حين يستطيع أحد ما أن يوقظ حماة البيئة والسياحة من نومهم العميق. لقد تعبت من التفكير وحتى أقرر أين أذهب سأنتهز فرصة غياب عائلتي فأغلق الباب على نفسي وأعرض بواسطة جهاز العرض صورا كبيرة بحجم الحائط لشواطئ كثيرة بعيدة يصعب علي الوصول إليها في إسبانيا وكاليفورنيا وفلوريدا وهاواي وأستراليا. سأستلقي أمامها لأطول فترة بعد أن أدير المروحة لأشعر بالنسيم العليل يغمرني كما كان نسيمك يغمرني. سأتخيل أنني هناك. وسألبس ملابس السباحة. وإذا رجع الأهل واستغربوا مني سأقول لهم إنني أنوي السباحة في «البانيو». وفي الواقع ستكون هذه كذبة لأنني لا أقصد السباحة فعلا ولكن فقط إطفاء ما بداخلي من نيران. باي.. باي.. جدة، مع حبي. ابنك: م.ج. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة