للبحر والصيد والغوص عشاق كثر، خاصة من أبناء المدن والقرى الساحلية، وهؤلاء لهم قصص وحكايات مع البحر ومكنونه وخباياه وأسراره، والقاسم المشترك بينهم جميعا هو روح المغامرة وارتياد الصعب والبحث عن المجهول. وإذا كان البحر قديما مصدرا للرزق والعيش على ما يستخرج منه، فهو مازال كذلك حتى الآن، إضافة إلى أنه أصبح ساحة لإشباع الهوايات والمغامرات التي يفضلها البعض. بندر أبو حسان (32 عاما) صاحب علاقة وطيدة بالبحر ودراية ومعرفة بخبايا أعماقه، لكثرة ارتياده للمياه الزرقاء أسبوعيا، وعن هذه العلاقة يقول: نحن خمسة أشقاء نسكن في منزل واحد ونعشق الرحلات البحرية، وهذه العلاقة تجاوزت مرحلة العشق إلى حالة من الإدمان، وأصبحنا من هواة الصيد والغوص والرحلات البحرية التي تمتد في بعض الاحيان إلى خمسة أيام متصلة، أنسى معها أن لي بيتا وارتباطات أخرى، وساعدني على ذلك أصدقائي المقربين فهم أيضا يشاركوني الهواية نفسها. ويضيف بندر «لم أتعلم في معاهد غوص أو على يد مدربين محترفين، بل تعلمت بجهد ذاتي وبالاحتكاك مع زملائي، في إكسابي الخبرة الكافية وتعلمي أصول الغوص والصيد، ومع مرور الوقت استفدت الكثير والكثير وأصبحت أجيد الغوص والصيد بشكل ممتاز». الخطر أحيانا عبدالله الشهري (44 عاما - وكيل مدرسة) يقول: منذ أكثر من 20 عاما أمارس هواية الرحلات البحرية ولم أترك أو أتناس في يوم ما أي رحلة صيد أو غوص منذ أن عرفت هذه الهواية، بل لم أعد قادرا على تركها رغم خطورتها في بعض الأحيان وخاصة عند الإبحار في الأعماق، فالمعروف أن البحر غدار وليس له أمان، وما أتذكره من مآس مرت أمام عيني ولم أنساها رغم مرور زمن طويل على حدوثها قصة مؤلمة، ففي يوم من الأيام قررت وأربعة أصدقاء تنظيم رحلة في عرض البحر الأحمر، وتطلب منا ذلك تجهيز قارب (بوت) بجميع الستلزمات المطلوبة لعملية الغوص والصيد، واتفقنا أن تكون بداية الرحلة في نهاية الأسبوع، وبحكم خبرتي الطويلة استأجرت البوت وكان الجو ملائما ومناسبا في نهاية الأسبوع للقيام بتلك الرحلة التي أطلقت عليها (الرحلة المشؤومة)، المهم جهزنا كل شيء وانطلقنا مودعين زوجاتنا وأبنائنا، واستمرت الرحلة بشكل عادي في بداية الأمر، وبدأنا الغوص واصطياد الأسماك، وكان كل شيء على ما يرام، وبدون سابق إنذار ومع غروب الشمس تغيرت أحوال المناخ واشتدت سرعة الرياح واختفى هدوء وسكينة البحر وثار وهاج وتحولت الرياح إلى عواصف تقذف القارب الذي يقلنا وتقلبه رأسا على عقب، وأصبح كل منا في جهة، ولكني استطعت الإمساك بشخصين والثالث استطاع قطع مسافة 28 كيلو مترا، لكي يصل للشاطئ، أما الرابع فقد أسلم الروح لبارئها، وكان من الأشخاص الخيرين والمقربين لقلبي رحمه الله ، لذلك أطلقت على هذه الرحلة (الرحلة المشؤومة)، ورغم تأثري بهذه الحادثة إلا أنني ما زلت أذهب عرض البحر ولم تثنني المواقف الصعبة والمؤلمة عن ممارسة هوايتي المفضلة. من بعيد صالح بخاري (متقاعد) يقول: أحب الرحلات البحرية والطلعات منذ زمن، ولكن لا تستهويني مغامرات الغوص والصيد، ولا أستطيع أن أتجرأ وأمسك بسنارة صيد حتى لو كنت في «بوت» أو قارب مخصص لهذا الغرض، أما أنني أغوص أو أنصب «الشورات» في البحر، فلا يمكن ذلك أبدا، فليس لدي الجرأة الكافية للقيام بهذه العملية لأنني أعلم مسبقا خطورتها، لذلك تجدني إما على الشاطئ أو إشعل النار لشوي الأسماك وتجهيز الأرز الذي يعد الوجبة الرئيسية مع السمك والروبيان، فأنا من عشاق المأكولات البحرية. أبنائي والرحلات أحمد الشمراني يتحدث عن الرحلات البحرية والبرية ووقعها على الإنسان.. فيقول: هذه الرحلات تعلم الإنسان أشياء كثيرة مفيدة، منها على سبيل المثال الاعتماد على النفس، وخدمة الذات، والصبر لذلك تجدني في كل رحلة أصطحب أبنائي لتعليمهم أصول الرحلات والاعتماد على الذات وخدمة نفسهم وعدم التكاسل والتراخي وتدريبهم على الصيد والغوص، وذلك في وجود أصدقائي المقربين الذين لهم خبرة طويلة في هذا المجال، كما أحرص دوما على تذكيرهم أن للبحر أهمية كبرى، كما أن الإسلام يحضنا على ارتياده وتعلم فنون السباحة طبقا لما هو موروث (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). عمل وهواية عبدالله الزهراني (يعمل في قطاع البحرية) يقول: السباحة والرماية والغوص من صميم عملي والبحر بالنسبة لي وجبة يومية وجزء لا يتجزأ من حياتي، فأنا أشاهده يوميا، والغوص والصيد هوايتي المحببة لذلك أقطع المسافات الطويلة مع أصدقائي.. وللبحر ذكريات جميلة فرغم ما يعترينا الخوف منه في بعض الأحيان، ورغم غدره إلا أنني أعشقه، وأكثر ما يقلقني سمك القرش فهو خطير جدا، فكم من نفس زهقت أمام هذا الفك المفترس، ولكني أحرص دائما عند الغوص على الاحتفاظ بسكين، كما لا أغوص بمفردي فلا بد من أن يكون معي على الأقل شخص تحسبا لأي طارئ. جنون الرحالة محمد الشهري (يعمل في القطاع العسكري) يقول: كلما تقترب الإجازة الصيفية أو إجازة نهاية الأسبوع أعد العدة للسفر، فالشنطة جاهزة دوما في السيارة ولا أتوانى أو أتردد دقيقة واحدة في التوجه، إما للمنطقة الشرقية أو جدة أو رابغ أو ثول لممارسة هواية الصيد والغوص، فدائما «عدة» الصيد من سهم مطاطي وسكين وملابس خاصة ونظارة وأكسجين للغوص، تكون بحوزتي ومن كثرة رحلاتي أصبحت ملما بكثير من أنواع الأسماك جيدة الطعم والرديئة وأيضا، وخبرتي مكنتني من معرفة استخراج السم من الأسماك السامة والإبقاء على ما هو مفيد وصحي للأكل. ويستطرد «علاقتي بالبحر وطيدة وقديمة، فهي بدأت منذ طفولتي، وساعدني في ذلك اطلاعي المكثف على عالم البحار وخباياه، إضافة إلى عالم «الانترنت» الذي يحتوي على الجديد دائما وكل ما يحتاجه الشخص من معلومات، فأنا أقطع مسافات طويلة من مقر عملي في تبوك إلى جدة أو ثول للمتعة بالبحر الأحمر الغني بأصناف وأنواع كثيرة من الأسماك والشعاب المرجانية.