«أيها الإنسان، أعطني يدك كي أسير في مدن الذكرى معك» (أحلام مستغانمي) النسيان جنة من الراحة، بستان من النخيل الشامخ إلى الأعلى، يرقب الآتي المنبثق من الأمام المشرق بالسنا. النسيان مدينة لا نوافذ فيها تطل على الخلف، ولا سماء لها تهطل منها خيوط الدمع المنسوجة بالكدر والحسرة. النسيان خيمة حريرية الملمس مظللة بألوان قوس قزح تطمس كل ما خلفها، خيمة بلا جدران تعلق عليها الصورة الماحلة والعتيقة. النسيان دنيا مملوءة بالمواليد الجدد، لا مكان فيها لشيء غير الجديد واللحظة الراهنة وحدها. النسيان اسفنجة ناعمة تمتص في سكون كل ما يقع فوقها، وتظل تمتص وتمتص ثم لا تعيد شيئا مما امتصت. النسيان كنز من السعادة تخبئه الذاكرة في داخلها، والويل، الويل لمن سرق منه كنزه. منذ زمن وأنا أرنو إلى مملكة النسيان الفاتنة، أتوق إلى التسلل إليها، أحن شوقا للسير فيها، لكني كلما جربت الاقتراب منها وجدت الأسوار مغلقة، ولم يسمح لي بالدخول، فمملكة النسيان كباقي الممالك والجمهوريات، لا يفسح لكل أحد بزيارتها، من يريد الزيارة لا بد له أولا من الحصول على تأشيرة للدخول. جمعت أوراقي وإثباتاتي، وأحصيت مؤهلاتي، وأشهرت ما يدل على كفاءتي ومضيت استجدي تأشيرة للدخول، لكن الرد جاءني بالرفض! مملكة النسيان لا تفتح أبوابها لكل زائر، ولا تمنح تأشيراتها بسخاء لأي أحد. من يريد الزيارة عليه أن يحمل شهادة نجاحه في اختبارات النسيان، أن يتقن الدروس فيتعلم كيف يقاوم ارتشاف الذكرى، وكيف يمهر في رتق الثقوب في القلب، وكيف يوقف نبض الجروح. كطالب خائب يتلقى خبر رسوبه، لملمت أوراقي وعدت أدراجي منكسرة، فقدت الأمل في الدخول وأنا أرى اسمي يتصدر قائمة الفاشلين. اغتسلت بالهزيمة وتدثرت بالضعف. مملكة النسيان لا يدخلها الضعفاء، فالضعف صفة بغيضة، ما إن تحل في شيء حتى تسبغ عليه من قبحها، صفة الضعف كلما جاورت أمرا أضفت عليه القبح وجعلت الناس ينفرون منه، ضعف الخلق، ضعف الدين، ضعف الصحة، ضعف المال، ضعف الأمانة، ضعف الذكاء، ضعف الطاقة، ضعف.. وضعف.. كلما أضيفت كلمة الضعف إلى شيء، أورثته قبحها، شيء واحد عجزت أن تصيبه بالقبح، الذاكرة. فالذاكرة حين تضعف، تزين ولا تقبح، وحين تصاب ذاكرتك بالضعف ما تعود تذكر إساءة أصابتك، ولا كلمة سوء آذتك، ولا خيانة أحبطتك، ولا حبيبا خذلك، ولا نعمة سلبت منك، ما تعود تذكر شيئا من ذلك أبدا، فتصفو نفسك وتهدأ سريرتك وتعود كطفل وليد للتو. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة