عندما يتقد الشوق بداخلك، ويبزغ الحنين لكلام يخرج من القلب ويعمده العقل، لن تطلب أكثر من ديوان لمحمود درويش! ذلك المهووس بلغة ليست ككل اللغات، وليدهشك ببساطة لا يتقنها غيره، استمع إليه وهو يعلمك كيف تدافع عن حروف اسمك المفككة (كما تدافع القطة عن جرائها، وعليك ما عليك: أن تدافع عن حق النافذة إلى العابرين، فلا تسخر من نفسك إن كنت عاجزا عن البرهان، الهواء هو الهواء ولا يحتاج إلى وثيقة دم) هناك حقوق مغيبة أو غائبة لا فرق! تحضر وأنت غير واعٍ بأهميتها إلا عندما يسطرها ذلك المحمود!! تفتقد أناسا كثرا في حياتك، ولكن ليس كفقد شاعر في زمان أصبح الشعر فيه بضاعة كاسدة، إلا عند من يعي أن اللغة حياة وكيان، حضارة ومجد.. وهكذا صنعها درويش، ففي نصه (في حضرة الغياب) تشعر أنك أمام نحات بمواصفات خاصة، يعلمك كيف تلعب بالحروف، كيف تتعامل معها بطريقته الخاصة (الحروف أمامك، فخذها من حيادها والعب بها كالفاتح في هذيان الكون، الحروف قلقة، جائعة إلى صورة، والصورة عطشى إلى معنى)، وتمر رحلته مع الحروف من حرف إلى آخر ليثير دهشتك وتصرخ معه (يا لها من لعبة! يا لها من سحر، يولد العالم تدريجيا من كلمات)، هذه الكلمات التي حرك بها محمود درويش خمسة آلاف عاشق للحرف في مهرجان (قرطاج بتونس) وكان ردا حرفيا على من أعلن موت الشعر! الحميمية والبساطة التي تعامل بها درويش مع الحروف هي ذاتها التي جعلت منه رمزا عربيا في زمن عزت فيه الرموز، ولتعلن (الجدارية) عن نفسها بأنها معلقة هذا العصر ومرثية للزمن الدرويشي الجميل، وصوت شعري لا تشك بأنه متفرد متميز مع أنه يشي بأصوات مجاورة له تأثر بها ومزجها بشعره وروحه، وفي ذلك يقول الأستاذ شاكر لعيبي (مهما فحصنا مرجعيات شعره وأصوله وتأثراته فلن نشك للحظةٍ في وجود صوتٍ خاص، نافر، فريد يضع المتنبي إلى يمينه والسياب إلى يساره ويمشي بينهما شامخا). وحتى في وداعه لم يترك لنا أن نودعه إلا بما يقوله هو ويليق بشاعر من طراز خاص يقول عن طفولة معذبة (والآن وأنت مسجى فوق الكلمات وحيدا، وملفوفا بالزنبق، والأخضر والأزرق وأدرك ما لم أدرك: إن المستقبل منذئذ، هو ماضيك القادم)!! [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 269 مسافة ثم الرسالة