أسعدتني الظروف أخيرا، بالتعرف على المثقف العربي المتميز، الأزهر نحال، الذي يدير دار عدن للنشر في باريس منذ أكثر من عشر سنوات، ويحمل على عاتقه مهمة تحويل الثقافة بشتى ضروبها، إلى ضرورة حياتية، تماما كالماء والهواء. وفي سعيه لتحقيق ذلك الحلم، اختط لدار نشره نهجا خاصا. ليست المسألة كتابا تجاريا ينشر، ويطرح في المكتبات، ويضيع في زحمة ملايين الكتب الأخرى التي تنشر يوميا، ولكن دعم أصيل للكتاب، وللمؤلف، ووقوف صلد خلفهما، خاصة أن ما ينشر في تلك الدار كتب منتقاة بعناية، تحقق للقارئ متعته وفائدته القصوى، وتحدث أصداء واسعة عند صدورها، وانطلاقا من ذلك المفهوم، استطاعت دار عدن أن تحقق ذاتها بسرعة، وأن تدفع كثيرا من الكتب التي نشرتها منذ انطلاقتها الأولى إلى حصد جوائز عالمية شتى. وقد نال كتاب فولكنر، المستقى من حياة الروائي العالمي وليم فولكنر، جوائز شتى في فرنسا وأمريكا، منها جائزة الأكاديمية الفرنسية. في البداية، كان الاهتمام بالأدب العالمي، باعتبار أن الدار نشأت في بلد أوروبي، وتصدر كتبها بلسان ذلك البلد، أيضا الاهتمام بالشعر، ومحاولة إعادة هيبته القديمة التي سطت عليها الرواية، وكان وقوف الأزهر بصلادة، منذ سنوات، خلف الشاعر السويسري فيليب جاكوتي، كمرشح أساسي لنيل جائزة نوبل، إيمانا منه باستحقاقها له. وأخيرا، فتحت الدار أحضانها، لضم الأدب العربي المكتوب بالفرنسية، أو المترجم إليها، إلى قوائم نشرها، وأيضا ليس كل الأدب العربي، ولكن ذلك الذي يعكس وجها مشرقا للعرب، ويمنح ثقافة توازي نظيراتها في اللغات الأخرى، أي الأدب ذا القيمة الفعلية، وقد نشرت الدار أخيرا رواية (من أنت أيها الملاك)، للروائي العربي الكبير إبراهيم الكوني، وتقف خلفها؛ لإيصالها إلى كل قارئ يريد اكتشاف أدب مغاير ونظيف، ونشرت أيضا رواية للجزائري المقيم بهولندا (المهدي أشرشور)، رشحت عن جدارة لنيل جائزة فيمينا الأدبية، وتسعى باستمرار لاستقطاب مزيد من الكتاب العرب، الذين يكتبون أدبا جيدا، ولا يملكون معابر من العلاقات تدفع بأدبهم إلى القارئ، كما نشرت منذ عدة سنوات موسوعة شاملة للأدباء، الذين حصلوا على جائزة نوبل. ما ذكرته سابقا ليس كل ما يفعله الأزهر نحال، كناشر ذي ثقافة ومعرفة، ولكن في ذهنه مشروع أكبر، إنه يسعى لنشر الكتاب العربي باللغة الفرنسية، ولغات أخرى كالإنجليزية والإيطالية والإسبانية، في نفس الوقت، أي ما أسميه الكتاب متعدد اللغات، وهو مشروع كبير، لا بد ستشارك فيه دور نشر كثيرة، ويشارك فيه مترجمون لمختلف تلك اللغات، ولا أظن أن أحدا قد فكر من قبل في تبجيل الكتاب العربي بتلك الصورة، أي جعله متاحا لجميع القراء في العالم في نفس الوقت، ولو نجح هذا المشروع، لأصبحت الثقافة العربية ركيزة أساسية في بيت الثقافات العالمية، ولن ينظر إليها باستخفاف، كما يحدث الآن. هذا المشروع في رأيي ليس مشروع فرد، حتى لو كان راسخا في النشر، كالأزهر نحال، إنما مشروع دول عربية لا شك يهمها أن تنتشر ثقافتها العربية والإسلامية بهذه الصورة، وتترد أسماء كتابها في شتى المحافل الدولية. مشروع يحتاج إلى دعم كبير حتى يضع قدميه على أول الدرب، ولن يحتاج بعد ذلك إلى من يدفعه أكثر، هو من سيدفع نفسه، ويركض في الدرب. على وزارات ثقافاتنا والهيئات والمؤسسات المهتمة بالمعرفة، في شتى بلادنا العربية، أن تمسك بمشروع الأزهر، وتحوله إلى بناء متماسك، خاصة أنني لمست، أخيرا، اهتماما واضحا بالثقافة في بلادنا، وسعيا حثيثا للتعريف بثقافتنا التي كان يهمشها الآخرون. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة