إذا ضبط القارئ كاتبه وهو يتدخل في شخصياته أو يتصرف نيابة عنها أو يجثم خلفها سقط العمل؛ لأن ذلك يعني أن الشخصيات مخلوقات غير حرة وأن حرية القارئ غير محترمة، فكأن الكاتب يطلب منه أن يكون شريكه في عملية تهريب، ويفرض عليه أفكاره ومعتقداته ليتمثلها كحقائق عامة. هكذا يشير الكاتب الروائي يوسا المعجب بمعلمه الوجودي جون بول سارتر، الذي أظهر قدرة عظيمة من خلال مقابلته بين عالمي الرواية، ودمجها معا، كما قام بتسجيل وضع ما، وهذا سارتري، مظهرا أبعاد شخصيات (الوضع) وليس شخصياته (هو) وهل يستطيع أن يخلق باستقلالية تامة شخصياته؟ أم يقوم بتجزئتها بفعل بنية الرواية المرتبطة بهذا القدر أو ذاك بواقع فارغاس يوسا، الذي اخترعه أديبا مع حقائق ينطوي عليها النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المعني؟ ولد الكاتب في أريكويبا في منطقة الإنديز عام 1936، وذهب إلى المدرسة في مدينة كوشابامبا البوليفية، وفي مرحلة المراهقة هبط إلى ييورا وعندما نضج أكثر، ذهب إلى ليما والتحق بجامعة سان ماركوس، وبعدها غادر إلى باريس حيث عاش فترة من الوقت، وبعدها ارتحل إلى إسبانيا حيث قدم دراسة الدكتوراة في جامعة مدريد، كما أنه قضى جزءا من حياته في هافانا قبل ارتحاله باريس نهائيا. أما أول كتاب نشر له، فكان عبارة عن مجموعة قصص قصيرة بعنوان (الزعماء) صدرت عام 1959 وقد استمد من حياة (جغوار) وأحياء تلك البلدة الأكثر قسوة مادة لكتابه. صدرت الرواية الأولى (المدينة والكلاب) عام 1963 في مدينة برشلونة الإسبانية، والكلاب (بمفهوم العامية) كلمة تطلق على الطلاب استلهم موضوعها من حياة المدرسة العسكرية (ليونسيو برادو) التي أمضى فيها يوسا سنتين مريرتين وقد أثرتا فيه، ربما لمدى الحياة وقد شرع بعد رحيله من المدرسة يكتب بوقت قصير كتابه تقارير عن حياة كلبه هناك وآثار نشر كتابه ما يشبه الفضيحة، كما أشعر المسؤولين في ليونسو برادو بالإهانة فأحرقوا ألف نسخة من الكتاب علانية في باحة المدرسة. أما الرواية المشهورة باسم (المنزل الأخضر) فقد نشرت عام 1966 وتروي هذه الرواية قصة هذا المنزل الأسطوري المتواضع، الذي كان قائما في موضع الماخور الحالي للبلدة والذي كانت فيه فسحة خارجية مخصصة للعشاق، تقع فوق الكثبان الرميلة، تحت النجوم. في الرواية أيضا أحداث تجري في منطقة البلدة الماكنكاستريا وهي موطن جماعة عنيفة من الرجال الذين لا تطالهم يد الشرطة (إنهم زعماء من نوع آخر) الذين يناصرون سياسيا جماعة الاتحاد الثوري الفاشي في بيرو. كتب عام 1973 رواية (الغاب) أما آخر رواياته فإنها بعنوان (الحرب نهاية العالم). عاش بوسا لبضع سنوات من حياته في هافانا عاصمة كوبا، إذ عمل كمحرر لمجلة (كاسادي لاس أمريكا) مع زميله خولوي كورتازار وهناك تعرف إلى طابور كبير من الأدباء والكتاب المشاهير في أمريكا اللاتينية أبرزهم أرغويداس والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي سيدخل معه في ما بعد في محاكمات أدبية وصراعات نقدية في عالم الثقافة الأدبي، نتيجة الاختلافات الجذرية في السياسة والفكر والفلسفة، ومواقفهم العلنية من قضايا قارتهم. حاز فارغاس يوسا على جوائز عدة؛ أهمها جائزة روفولو كايكوس في كاركاس في فنزويلا سنة 1967، وجائزة من دار النشر البرشلونية (سيكس بارال) عام 1963 لقصة (المدينة والكلاب) وفي 15 أبريل 1984 نشرت جريدة الوطن الإسبانية اليومية (البائيس) مقابلة حيوية ومثيرة مع الكاتب بمناسبة تعيينه رئيسا للوزراء، حيث طلب منه تشكيل الحكومة البيرونية في ظل حكومة الرئيس (فرناندو بلوندي تيري) وهو صديقه، وقد أكد فارغاس يوسا «بأنه قبل تلك المهمة السياسية من أجل إنقاذ الديمقراطية» ول «وازع أخلاقي، ومن أجل خدمة وطنه». وقد وجه له سؤالا حول تهمته بأنه تحرك من مواقعه السياسية نحو اليمنينية متخليا عن يساريته أثناء الشباب؟ فأجاب قائلاً «لأ اعتقد أنني تبدلت ولكنني بالتأكيد واع للمشاكل والتباين والظلم الاجتماعي الموجود في بيرو وفي كل أمريكا اللاتينية كما لا أود أن يتم هذا بالديكتاتورية إنما بنظام ديمقراطي، وإن غياب الحرية لن يساعد على التغييرات الاجتماعية» وواصل حديثه «إنني أدافع عن نظام ديمقراطي بحيث يكون قادرا على تحويل المجتمع» ويضيف في نهاية التصريح «لا أرغب في ديكتاتورية كوبيه في وطني» وبهذا الحوار ينهي الخيط الباقي من ذكرى سنوات حياته الأولى. بدر عبد الملك