إلحاقا لما بدأناه أمس من حديث عما أثير أخيرا في مصر من زوبعة حول مطالبة أحد المستشارين الشرعيين بمراجعة كتاب صحيح البخاري وتنقيته من بعض الأحاديث الواردة فيه، التي وصفها بعدم الصحة يهمني اليوم أن أتناول بالتعليق فكرة وردت في حديث أحد المدافعين وهو يفند كلام المدعي حيث قال: إنه لا ينبغي انتقاد ما جاء في كتب التراث الدينية لأن في ذلك تجرئة العامة على التشكك حول ما فيها!! هذه الفكرة التي يطرحها ذلك المدافع فكرة خطيرة، تتضمن الدعوة إلى أن يشل الناس أذهانهم عن التفكير عند الاطلاع على الكتب الدينية، وأن يتعاملوا مع موروثات الفكر البشري كما لو أنها من المقدسات التي لا يجوز الاقتراب منها، فضلا عن أنها تعطي لعلماء السلف مرتبة الكهنوت التي ترفعهم فوق مستوى المراجعة والمناقشة أو الاستيثاق مما يقولون. هنا، تبدو الدعوة صريحة إلى تعطيل العقل، وانتهاج السير الأعمى وراء ما قال به السلف، وهذه كارثة ! كارثة أن يستقر بنا المطاف عند توجيه الناس إلى تغييب الوعي وتغليب الاتباع والانقياد عند التعامل مع كتب التراث الديني، فتوضع كتب البشر في مكان من القدسية يضاهي مكانة كتاب الله سبحانه! لو أن السلف من علماء الأمة مارسوا هذا المنطق الضيق، فتحرجوا من مناقشة أي حديث يبلغهم منقولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وراحوا يقبلون كل ما ينقل إليهم من الأحاديث التي يدعي رواتها نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، هل كان بإمكانهم وضع المعايير الدقيقة لضبط الحديث والاطمئنان إلى صحة السند، وسلامة الراوي من النقائص المخلة بشروط صدق الرواية؟. لكنهم لم يفعلوا ذلك ولم يتحرجوا أو يجدوا ضيرا في أن يستوثقوا مما يقوله الرواة أيا كانت مكانتهم، فلم لا تكون الدعوة موجهة إلى اتباع السلف في منهجهم هذا والاقتداء بهم في أسلوبهم في الاستيثاق والتحري، بدلا من الدعوة إلى اتباعهم في كل أقوالهم ؟ ما الذي يضير في أن يعيد الناس قراءة كتاب في الفقه أو الحديث ويأخذوا في تقييمه من جديد والتأكد من صحته ومراجعة ما جاء فيه؟، إن الله سبحانه نص في كتابه على المجادلة بالحسنى عند دعوة الناس، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، فماذا يعني هذا ؟. ألا يعني إعطاء الناس فرصة التعبير عما في نفوسهم من التشكك وعدم التصديق إلا بدليل يقنعهم؟ فلم إذن الحجر على الناس والإنكار على من يطلب الاستيثاق مما جاء في الكتب البشرية ؟ إن العباد الذين يطلب منهم أن يكونوا واعين بمعنى العبادة التي يؤدونها لربهم سبحانه، مدركين المراد بها فلا يصح للمصلي أن يقف خلف الإمام وهو غير مدرك معنى ما يقوم به من حركات أو ما يقوله من ألفاظ، أليس من حقهم أن يكونوا كذلك واعين بحقيقة ما في الكتب التي يطالعونها؟.. فكيف يطلب منهم غير هذا ؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة