قال عنه الملك فيصل إنه سعيد عقاب وليس سعيد غراب، ووصفه الأمير فيصل بن فهد أنه ثروة كالبترول، في إشارة إلى مهارته الكروية النادرة، فيما لقبته الأقلام الرياضية بالعديد من الألقاب كالدكتور والمهندس، ورغم أنه ترك المستطيل الأخضر منذ أعوام طويلة، إلا أنه مازال عالقا في أذهان المتابعين من كل الأجيال حتى الناشئة، عشق كرة القدم فعشقه الجمهور الذي مازال يردد اسمه حتى الآن، ولم يكتف بذلك بل بين حين وآخر يجري مقارنة بينه وبين ماجد عبدالله عن من هو الأفضل منهم في تاريخ كرة القدم، وهي المقارنة التي رفضها غراب، واصفا إياها بأن كل واحد منهم كان الأفضل في جيله. في حوار عبقه الماضي تحدث سعيد غراب عن حياته وبداياته ولأول مرة يشير إلى تعرضه لأعداء النجاح الذين وقفوا ضد تحقيق حلمه وكانت البداية: • بعد سنوات الغياب والاعتزال الطويلة عن المشهد الرياضي هل ترى أن تاريخ سعيد عقاب أو غراب أصبح في النسيان وبعيدا عن الذاكرة؟ دعني أحكي بصدق... هناك ظواهر وهناك ثوابت في كل شيء والتاريخ لا يكذب، سعيد غراب نجم رياضي ظهر في فترة أدى دوره وما عليه، وعندما انتهى من مهمته جلس كغيره، وهذه هي سنة الحياة، وأتى من بعده واستلموا زمام الأمور وواصلوا المسيرة، بعدها جلسوا وجاء غيرهم. ويكفيني أن اسمي رغم مرور سنين طويلة على اعتزالي الرياضة مازال يتردد حتى مع الناشئة. وهذا أكبر مكسب في حياتي. • بينكم وبين السفير اليمني في المملكة محمد الأحول علاقة صداقة.. والدورة الخليجية المقبلة ستقام ولأول مرة على أرض اليمن بعد شهرين.. هل ستشاركون في مؤازرة هذه الدورة؟ أؤكد لك أنني لن أتأخر في تقديم أي دعم أو مشورة لأن دورة الخليج لها طابع رياضي خاص في منطقتنا ومنذ جيلنا ونحن ننتظر موعد إقامتها، فكنا نحرص كثيرا أن نظهر فيها نظرا لكثرة المشاهدين والمهتمين حتى من خارج الوسط الرياضي، ومتى سنحت لي الفرصة ثق تماما أنا وغيري لن نتردد بأي مشورة تسهم في إنجاح أي بطولة خليجية وغيرها من البطولات الرياضية. • نعرف أن في كل مرحلة وجيل نجومه.. فهل نسبة ظهور النجوم التي عشناها من كل جيل كانت كافية، وهل هناك فرق بين النجم والموهبة؟ صحيح هذا كلام سليم جدا، فالنجوم موجودون في الساحة في كل جيل وهذه ليست ظاهرة محلية ففي كل العالم على مستوى الفرق والمنتخبات تجد النجوم، لكن الفرق بين النجم والموهبة، أن النجومية من الممكن أن تكون لإبداع اللاعب وعوامل أخرى عديدة بما فيها صناعة الإعلام الرياضي، إضافة إلى العامل الأكثر أهمية وهو عامل القبول الذي يضفيه الله على الإنسان دونما جهد منه وترتيب، النجم من الممكن وجوده ومن الممكن صناعته، أما الموهبة فهي من الله عز وجل، ولدينا مواهب كثيرة ظهرت في فترة ماضية ومازالت تظهر، منها على سبيل المثال الأهلاوي الذي ظهر في الثمانينيات، عبدالله الرشود، وسماه النقاد «بفالكاو» الكرة السعودية، لكنه لم يستمر طويلا في الملاعب رغم علو كعبه في الكرة، عموما لدينا الكثير من المواهب سواء ممن خدموا الوطن ورحلوا أم الذين مازالوا باقيين. • أسطورة بيليه لم تظهر إلا بمساعدة ومساهمة زملائه أمثال جايير، زينهو وتوستاو وغيرهم، أسطورة سعيد غراب من ساهم في وجودها في المستطيل الأخضر؟ كرة القدم لعبة جماعية ومهما كان اللاعب فذا وعبقريا لا يكفي ذلك دون زملاء يعرفون متى ينطلق تجاه مرمى الخصم، ويعرفون كيف يتسلم الكرة وأين يريدها، وأنا كنت محظوظا باللعب جوار زملاء عظام في مكانتهم ومستوياتهم منهم النور موسى رحمه الله وعبدالله بكر والكتالوج وعمر راجخان. • يقولون إنك تعشق كرة القدم إلى حد كبير؟ طبيعي.. وإلا كيف لي أن أسمي نفسي رياضيا، فكرة القدم مسكونة في دواخلنا كلاعبين وحتى جمهور، ولن تجد كل تلك العظمة في التصاعد والجمال في مستوى الرياضة، وأنا لي حالات العشق غير المحدودة بيني وهذه المستديرة المجنونة، ياما كان لها حكايات وظلت حكايات أكبر في دواخلي لا يعلم إلا الله كيف سينتهي بي وبها الحال. وأتذكر أيام زمان كنا نجتمع في الحي ونؤلف فريقا باسمه، وكان البعض يجوب ملاعب الأحياء بحثا عن اكتشاف موهبة لتسجيلها في النادي الذي يميل إليه، مثل مجيد بادي المعروف عند جميع أبناء حارة الهنداوية وبرحة المدرسة المنصورية في حي الشاطئ وبرحة بيت الدياب، واستمر البحث عن المواهب من الكثير منهم أحمد البعداني الذي يبحث دوما عن النجوم ويصنع المواهب، وعادل نوار الذي جند نفسه وعمره لهذا العشق. • هل صحيح أنك تعتبر أول لاعب سعودي عرض عليه اللعب في أوروبا؟ نعم، حدث هذا في عام 1960م، فالمدرب النمساوي فرتز عرض علي اللعب في أوروبا. • سعيد غراب الموهبة الفطرية التي أطلت من إحدى قرى الباحة والذي اتجه للتدريب أكاديميا في البرازيل، من المؤكد أن بين الحالتين الفطرية والأكاديمية مسافة كيف خضت التجربتين؟ وجود الموهبة أول عوامل النجاح وتدعيمها بالدرجات العلمية أمر ضروري جدا سواء للاعب أو المدرب، فالرياضة وكرة القدم تحديدا كما نحن متفقون هي معيار حضاري اليوم، وهي علم في نفس الوقت، كنت محظوظا بإتاحة الفرصة لي في الحصول على الدبلوم العالي من الأكاديمية البرازيلية في ريو دي جانيرو في تدريب كرة القدم عام 1984/1404ه. عملت بعدها مدربا ومشرفا على عدد من الدورات كان منها في نفس عام عودتي من البرازيل الإشراف على دورة النور موسى رحمه الله التنشيطية في نادي الاتحاد، ثم أني عملت في التدريب طويلا بعد العودة. منها مساعدا لمدرب فريق شباب الاتحاد ومدربا للبراعم في 1403ه. ثم مساعدا لمدرب الفريق الأول في النادي 1405ه. ثم مدربا لناشئي نادي الاتحاد في نفس العام، ثم قمت بتدريب فريق القدم في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة 1407ه. ثم مدربا للفريق الأول بنادي الربيع 1409ه. ثم مدربا لدرجتي الشباب والناشئين بنادي الحزم بالرس 1423ه. ولازلت انتظر وعد الامير سلطان بن فهد لي بتدريب احد المنتخبات السعودية التي اتشرف بها. • من خلال متابعتك لنشاط الدوري، كيف ترى المستوى العام للاعبين المحترفين غير السعوديين؟ مستوياتهم تتفاوت كما يحدث في كل موسم، وسبب التفاوت يعود إلى بعض المفاهيم عند التعاقد معهم، وتلعب المادة دورا كبيرا في جذبهم للدوري، وكثير من الأندية استفادت من اللاعب غير السعودي وأحضرت نجوماً كانت لهم بصمتهم في الملاعب السعودية. عموما اللاعب الموهب عملة نادرة سواء كان لاعبا محليا أو غيره. • في التنافس القديم بين الوحدة والاتحاد كان الوحداويون في مكةالمكرمة يرددون بعد كل مباراة «جانا خبر من جدة أن الغراب كسر القدة» هل يعود ذلك أنك يوما كسرت قدة الباب؟ كنا نعيش حب كرة القدم ونبالغ كثيراً في التعبير عن حبنا لنجمنا المفضل، ومن فضل الله كان لي نصيب كبير من هذه التيمات والتي أسعدتني كثيرا. • بما أنك مهاجم هداف.. من هم حراس المرمى الأكثر تألقا في جيلك؟ جيلي تميز بوجود الكثير من الحراس الرائعين والمتميزين منهم أحمد عيد وتركي بافرط، هذا بالإضافة إلى أن جميع المراكز كانت تزخر بالعديد من النجوم في جميع المراكز وليست الحراسة فقط، منهم ساعد رزق وغازي ناصر وعبدالله صالح. • هل تذكر البطولات التي حققتها مع الفرق التي لعبت لها الاتحاد والأهلي والنصر وغيرها؟ في البدء دعني أتحدث عن منتخبات المناطق، حيث حققت مع منتخب الغربية عندما كانت أندية كل منطقة تلعب دوريا خاصا بها، كأس ولي العهد موسمين متواليين 1387ه و1388ه، ثم عندما انتقلت إلى الوسطى في العام الذي تلاه 1389ه، حققت نفس الكأس مع منتخب الوسطى. وفي العام 1383ه، مع الاتحاد حصلنا على كأسي الملك وولي العهد وفي العام 1385ه، كأس المصيف مع الاتحاد، وفي العام 1391ه و1393ه، حققنا كأس الملك مع الأهلي. • منذ منتصف بدايات السبعينيات ونلاحظ اهتمامك بالفن حتى إنه في إحدى المناسبات الرياضية وأثناء وقوف محمد عبده على خشبة المسرح صعدت وقبلته.. هل مازالت ملازما لهذا الاهتمام؟ نعم.. جميعنا نحب الفن والموسيقى وتحديدا فن محمد عبده، وأعشق فن إيقاع المجرور، ومحمد عبده صديق عزيز، وهو من أبناء حارتي «الهنداوية» عشنا سويا في الحي ولنا فيه ذكريات وأيام جميلة. • كيف تعامل معك الإعلام؟ طوال مشوار النجومية وهل اختلف تعاملهم معك بعد الاعتزال؟ الحمد لله جيلنا كان جيلا محظوظا في وجود أسماء إعلامية جيدة أعطتنا ما نستحقه، والذي استمر إلى يومنا، حتى إن الجيل الإعلامي لهذه الأيام كثيرا ما أسعدوني باتصالاتهم والسؤال عني وأشعروني أنني مازلت موجودا داخل المستطيل الأخضر رغم تقدمي في العمر وبعدي عنه كلاعب منذ أعوام طويلة. • وهل مازلت تتذكر أجمل ما كتبه الإعلام عنك؟ الكلمات كثيرة وكلها أعتز بها وجميعها أسعدتني، لكن أجمل ما أسعدني قول الملك فيصل لي وهو يسلمني الكأس «أنت سعيد عقاب وليس غراب» اذكر ايضاً كم انني التقيت بالملك فيصل في قصرة في طريق الدرعية في الرياض عندما كان يأخذني الامير خالد الفيصل لزيارته وهناك يسألني عن جدة بقوله: ياوليد ياسعيد كيف الحال واجواء جدة اليوم؟! حتى لا اكاد ابرح مجلسة من حبي له رحمه الله كذلك الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله كان هو المدرسة التي تخرجت منها حيث اني لم انل حظاً أكبر من التعليم فكان التعويض فيه ومنه ومن مجالسته رحمه الله والأمير محمد العبدالله الفيصل يكفيه انه امتداد لعبد الله الفيصل والأمير خالد بن عبدالله الذين قالوا عني الكثير من الأوصاف التي أعتز بها، ولا أنسى ما قاله الأمير فيصل بن فهد حين قال «سعيد غراب بالنسبة لنا نحن السعوديين ثروة مثل البترول». والأمير خالد بن عبدالله سعدت بزمالته في الملعب في النادي الاهلي وترؤسه لي في العمل «الحرس الوطني» كذلك في النادي الاهلي ومن افضال الامير طلال بن منصور علي ان ابتعثني في الدورة التدريبية الى البرازيل على حسابه الخاص وفتح لي خط ساخن مع اسرتي بصورة مستمرة هاتفياً قائلا ان كل هذا لتخدم الوطن من خلال المنتخب ثم نادي الاتحاد. • لكن كيف ترى ما يطرح أحيانا من مقارنة بينك وبين ماجد عبدالله عن من هو الأفضل؟ لقد مللت من طرح هذا السؤال الذي يتكرر دائما، رغم أن لكل واحد منا وقته ولكل واحد منا موهبته، وكلانا خدم وطنه بطريقته، ولا يمكن أن نقارن هنا من هو الأفضل، جميعنا الأفضل وكل واحد كان نجما في جيله. • يقال إن بعض العقوبات طالتك وأنت بريء منها.. هل ذلك صحيح؟ نعم.. وكثيرون من لاعبي كرة القدم وقعت عليهم بعض العقوبات وهم براء منها، وأتذكر في مباراة النهائي التي جمعتنا مع فريق الهلال في الرياض أنني حرمت من المشاركة فيها بعد أحداث حصلت بين فريقنا وفريق الوحدة في المباراة التي قبلها وظلمني من كتب تقرير الأحداث أنني كنت مشاركا فيها، يومها عوقبت بالإيقاف والحرمان من اللعب. • وتحكيميا هل ظلمت؟ بالتأكيد، فمهما حاول الحكم إلا أنه في النهاية بشر، وطبيعة البشر تخطئ وأخطاء الحكام ستستمر ولن تنتهي لأنني كما قلت أنه بشر. • وكيف ترى الحكم السعودي؟ يكفي أنه وصل إلى العالمية، وهذا يشير إلى أن الحكم السعودي أصبح يتصف في يومنا بدرجة كبيرة من الامتياز، وفخرنا في الحكم السعودي خليل جلال الذي شارك مؤخرا في كأس العالم التي أقيمت في جنوب أفريقيا، وهو امتداد للحكام السابقين منهم، عبدالرحمن الموزان والدهام والمرزوق والكعكي وفلاج شنار وغيرهم. • ما هي الأشياء التي لم تتحقق معك في مشوارك الرياضي؟ تمنيت لو كان كثير من زملاء الساحة، تركوني أعمل بطريقتي الخاصة التي كنت سأواصل فيها الاستفادة من شهادة التدريب البرازيلية المتقدمة التي حصلت عليها بعد جهد كبير ودعم لا ينسى من صاحب القلب الطيب الأمير طلال بن منصور، لقد وقفوا ضدي وحرموني من تحقيق حلمي. • أفهم من هذا أن أعداء النجاح وقفوا ضدك؟ هذا ما حدث معي بالضبط، رغم أنني حاصل على دورة من أكاديمية برازيلية متخصصة في كرة القدم، لا تقتصر على تعليم فنون التدريب والتمارين التقليدية بل تشمل أدق عناصر تجهيز اللاعب نفسيا وبدنيا وصحيا، وهذه الأكاديمية لا تمنح الشهادة إلا لمن يجتاز الكثير من الاختبارات، منها المادة الخاصة بالآداب «بدغوجيا»، علم الأحياء «بيولوجي»، علم النفس «سكيولوجي»، وعلم الاجتماع «سوشيال»، والقيم والأخلاق «مورال»، وعلم التشريح «أنا تومي»، وعلم المواد الكيميائية في الجسم «فزيولوجي»، وعلم وظائف الأعضاء «فسيولوجي»، وعلم الأمراض «بثيولوجي»، والعلاج الطبيعي «فزيو فيزيو ترابي»، والتدليك «مساج»، وتدريس وتعليم كرة القدم بكفاءة. • أخيرا.. كيف ترى محبة الناس لسعيد غراب اليوم؟ وهل هي بذاك المعدل الذي كان الغراب يملأ الدنيا فن كرة القدم؟ أحمد الله على نعمة حباني بها وهي محبة الناس، وما ألمسه في كل مكان وفي كل محفل الحب والتقدير منهم، فلهم مني كل الحب والتقدير. كنت البارحة الاولى في زيارة احمد سالم بقشان عضو شرف نادي الاتحاد وهو يقول سعيد غراب سبق زمنه وتكريمه واجب على كل رياضي وقال عن كوني مدرباً : سعيد يمتلك مالا يمتلكه الاخرون في مجال الرياضة وسأتولى رعاية ونفقة كتاب عن حياته ومشواره الطويل مع الرياضة.