أنعم الله على الإنسان بالخلق والكون والتسخير، وجعل الرغبة في اكتشاف خبايا هذا الكون ومحاولة السيطرة على ما يهدد وجوده ديدنا فينا. لهذا، سعى إنسان هذا الكون إلى ابتكار مندوحة للتعامل مع ما حوله وبني جنسه. فلجأ إلى الصيد والقنص والمقايضة ليسد حاجاته الحياتية، ثم تعامل بالمال، فكانت كل قوانين الاقتصاد تستند إلى قيم أخلاقية تنبني على قوانين وضعية أو عقدية سماوية. فالنظام الاقتصادي الوضعي يدور حول الملكية الفردية على أساسين متعاكسين، ما يوقعهما في دائرة الإفراط والتفريط. يرتكز النظام الرأسمالي على الملكية الفردية، إذ يعطي الفرد حق التملك المطلق في امتلاك السلع، فيما تستند أدوات الإنتاج إلى فلسفة المذهب الفردي على اعتبار أن الفرد محور الوجود. وعلى عكسه نجد النظام الاشتراكي الذي يعتمد على الملكية الجماعية التي تمثلها الدولة. فليس للفرد الحق في امتلاك أدوات الإنتاج وجميع المشروعات والخدمات. ويعزى الأمر أيضا إلى فلسفة المذهب الجماعي التي تعتبر أن الفرد يعيش داخل الجماعة، ولا يحق له الخروج عنها، بيد أن التجربة أثبتت فشل هذه النظم. فإذا نظرنا إلى النظام الإسلامي، نجد أنه جمع بين مزايا النظامين على اعتبار أن الإسلام لم يحرم الكليات بل حرم الجزئيات، فلم يحرم الأكل، بل حرم الدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، لم يحرم الشرب بل حرم شرب الخمر، لم يحرم الجماع بل حرم الزنا، لم يحرم التعامل بالمال بل حرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل وأكل أموال اليتامى. عليه، فإن النظام الاقتصادي الإسلامي لم يحرم الملكية الفردية، إذ إن الإنسان جبل عليها. فقد أباح حرية التملك إلى أقصى درجاته، ولكن بشرط أن تكون صيرورة وسائل كسب المال من حلال، وأن يبعد نفسه عن البخل والإسراف، وإذا مات انتقل ماله إلى ورثته، وهنا، يتحول النظام المالي عند الشخص الميت من نظام رأسمالي إلى نظام اشتراكي عند الورثة. أما الملكية الجماعية فقد اعترف بها الإسلام، ولكن قدم الجماعة على اعتبار أن مصلحتها تقدم على مصلحة الفرد. وهنا، تنجلي سمو قيم هذا الاقتصاد حين قدمت العبادات الجماعية على العبادات الفردية شريطة إخلاص النية لله. [email protected]