وقفت الشمس على شرفات الكون يلفها ألم الوداع لتلقي برأسها على سرير الأفق شاحبة صفراء تحتضر بين وسائد الغروب وقد فاضت عاطفتها ورق قلبها لوداع رمضان.. فنظر إليها الغروب ضاحكا، وهي متحدرة، حتى غابت وراء الأفق البعيد، فتراءت للكون صورة القمر وقد بدأ نحيلا هزيلا من بين جبين الغمام، كأنه وجه محتضر رحِمه أحبته من أن يفجعوه في أحلى ذكرياته؛ فتلطفوا معه وودعوه؛ وقد غمر الليل بسكونه وجه السماء، وأسدل أستاره لتسبح الأرض في أنوارها ليلا، وكأنها منه في نهار، وكل شيء بالكون ساكن يترقب. فأضاءت تباشير الفرح منارات المآذن فخفقت القلوب؛ وترقبت العيون؛ تستطلع الخبر من النظر.. فأَشعلت المنارات أضواءها ورنّ صوت المؤذن في أرجاء الكون عذبا صافيا: الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. فانطلقت تباشير الفرح تصب نغمات السعادة في أذن الأرض، فهاجت في النفوس الأشواق وطارت الأفراح محلقة ترفرف بجناحيها؛ وقد رقصت القلوب في الصدور من السرور، فقصد الناس غاياتهم وتزاحموا على الأسواق؛ ليقضوا حاجاتهم، حتى مال ميزان الليل، وبدت طلائع الفجر تغسل الأرض بالنور؛ ليهطل يوم جديد بوجهه السعيد؛ باسم الثغر جميل المنظر والنظر، فانتعشت الأرض بزخّات أفراحه. فأقبلت شمس العيد بعد طول انتظار تطبع أولى قبلاتها على جبين الكون فتنحدر أشعتها من فوق أكتاف الغمام لتسكب أعذب الألحان وتنشر حولها ساحة مغناطيسية من الفتنة، فتختلط ألوانها بأطياف مواكب الوفود التي خرجت صفوفا متلاحقة غارقة في النور والعطر تحف بها زغاريد الفرح ففي كل مكان ازدحام وعلى كل ثغر بسمة وفي كل قلب فرحة وكل الناس مبتهج مسرور.. يقول وقد لاحت على شفتيه ابتسامة: ينعاد عليكم بالسلامة. مخلد سفر العتيبي