سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاكتئاب المقنّع ... الإنهاك الجسدي والذهاني يمنعان من أداء المهمات اليومية الأكثر بساطةً ! مرض مؤلم قد يشكّل تهديداً للحياة والتشخيص والمعالجة بحاجة إلى أطباء متخصصين2-2
تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن الاكتئاب المقنّع ، حيث تحدثنا عن تعريف هذا النوع من الاكتئاب ، وكيف أن هذا النوع من الاكتئاب يختلف عن الاكتئاب العادي ، بأن هذا النوع من الاكتئاب تكون الأعراض العضوية هي الأعراض السائدة ،خاصة الإجهاد والتعب و كذلك أعراض عضوية أخرى. في هذا المقال سوف نتحدث عن بقية الأعراض العضوية للاكتئاب المقنع وكذلك كيفية مواجهة هذا المرض وعلاجه. لا توجد صعوبة كبيرة لا من طرف الطبيب ولا من طرف المريض في التعرّف على الاكتئاب العصبي عندما يظهر بشكل واضح وصريح والذي عادة ما يكون مرتبطاً بست فئات رئيسة من الأعراض: • الألم النفسي • فقدان الحيوية والتقوقع النفسي • القلق • اضطرابات الشخصية • اضطرابات النوم • الأعراض الجسدية الخاصة بالاكتئاب - الألم النفسي تحمل هذه التسمية صدى سيئاً وتحتوي على مجموعة من الأعراض تظهر على شكل تعاسة أو بكاء أو أفكار سوداوية أو تشاؤم أو عدم رضا عام او شعور بقلة الحيلة أو بالذنب واليأس من الشفاء. تصاحب هذه الأعراض عادة اضطرابات حسية قوية (يقال أحياناً اضطرابات مزاجية) وشعور بآلام مصاحبة لكل حالة معيشية من حالات الروح. القلق - فقدان الحيوية يتمثل ذلك في تباطؤ عام للنشاطات الجسدية والعقلية مع الشعور الدائم بالتعب الكلي وانعدام اهتمام تدريجي بجميع نواحي الحياة الطبيعية وفقدان المبادرة . تؤثر هذه الأعراض على الفعالية الدماغية إذ تؤدي إلى إبطاء عمليات التفكير وإضعاف الذاكرة وصعوبة في التركيز وتناقض حدة الذكاء وانخفاض مستوى الابداع (لدى الفنانين خاصة) وكذلك مستوى النشاط الذي قد يصل إلى حد رفض القيام بأي عمل على الاطلاق. - القلق لقد تحدثّنا عن ذلك في المقال السابق ، والقلق في واقع الأمر ظاهرة منتشرة جداً حيث يمكن أن يظهر بشكل مستقل تماماً عن أية حالة اكتئابية ويتبلور على شكل شعور لا ينتهي بالترقب . ستصاحب القلق مع الخوف أو حتى مع الرعب ويشعر المصاب به بأعراض مؤلمة كالشعور بالاضهاد أو الاختناق أو ضيق في الصدر وتسرع في القلب والتعرق والشد العضلي. اضطرابات الشخصية قد يكون القلق عاماً أو مستمراً ، أو قد يظهر على نوبات رعب منفصلة. إن نوبات الرعب الشديدة هي الظهور المفاجئ والعفوي لحالة قلق حادة على شكل خوف لا يمكن التحكم به مع الاحساس بدنو محتوم للأجل وظهور أعراض عضوية كخفقان القلب الشديد والارتجاف . وهذه الحالات تعرف "بنوبات الهلع". يجب في جميع الأحوال معرفة المستوى الحقيقي بشكل دقيق لدى المصابين بإحدى حالات الاكتئاب لأن احتمال الاقدام على الانتحار لديهم يتعاظم بشكل كبير عند اشتداد نوبات القلق. فقدان الحيوية العوامل المحرّضة للاكتئاب لا تبدأ عادة الحالة الاكتئابية ، سواء أكانت ظاهرة أم مقنعة ، مباشرة بعد حصول صدمة أو حادثة مؤلمة ، بل توجد هناك فترة كمون قد تستمر لعدة أشهر ، بعد الحزن أو الفراق أو التقاعد أو التعرّض لعمل جراحي أو غير ذلك ، قبل أن تبدأ أعراض الاكتئاب بالظهور . إن وجود هذه الفترة من الكمون قد يولد شعوراً خاطئاً بأن الفرد تجاوز محنته ، بينما الحقيقة هي أنه يمر بفترة من الهدوء التي تسبق العاصفة، وهي فترة خطيرة جداً تجب فيها ملاحظة أدنى تغيرات على المزاج قد تشير إلى قرب الاصابة الفعلية بالاكتئاب. غالباً ما يكون السبب الحقيقي وراء ظهور الاكتئاب هو تجمع عدة عوامل من التوتر والأحداث المؤلمة خلال السنة السابقة لظهوره. وعلى الرغم من أن التعرض للتوتر هو العامل الأكثر شيوعاً إلا أنه ليس دائماً الذي يؤدي فعلياً إلى ظهور الاكتئاب ، لذا كان علينا أن نبحث في عوامل أخرى تحفز ظهوره. اضطرابات النوم العوامل المعرّضة للاكتئاب بما أن الاكتئاب يصيب أشخاصاً من أوساط اجتماعية مختلفة ومن خلفيات ثقافية متعددة ، وبما أن الجميع يظهرون الأعراض نفسها فإن ذلك يدل بشكل شبه مؤكد على وجود عامل وراثي قد ينشط في حال أُتيحت الظروف المناسبة له. إن وجود حالات الاكتئاب بين الآباء أو الاجداد يشكّل عاملاً يشير إلى احتمال كبير باصابة الابناء بهذا المرض النفسي أيضاً وقد تم البرهان على ذلك بشكل جيد في حالات الاكتئاب ثنائي القطب. عندما يسقط القناع عن الاكتئاب المقنّع ويظهر المرض بجميع أعراضه بشكل واضح يقع الشخص فعلياً في المرض بالمعنى المرضي النفسي ، يجب التركيز هنا على فترة بداية ظهور الاضطرابات المؤدية إلى ظهور الاكتئاب. ليس من المستغرب في هذه الفترة سماع عبارات مثل ( لا أشعر بالراحة منذ حصول حادث السيارة ذاك) أو ( أنا متعبة وأحس بالمٍ في ساقي منذ ولادة أبني) ، أو أيضاً : ( منذ أن تقدّم ابني لامتحان الشهادة الثانوية والذي عمل بجد من أجله ونجح به وهو منهك بشكلٍ دائم ولا يرغب بأي شيء على الاطلاق). يشعر جميع هؤلاء الأشخاص أن حالتهم قد تغيرّت وأن شيئاً ما قد حدث لهم ، شيء ما قد غيّر حياتهم نحو الأسوأ. يملك جميع هؤلاء المرضى الرغبة الشديدة في العودة إلى طبيعته السابقة المتوازنة. الاكتئاب المقنّع هو مرض مؤلم لدرجة كبيرة ، وقد يكون خطيراً و يشكّل تهديداً للحياة في حال ترديه بشكل مفاجئ وانتقاله إلى الحالة الانتحارية وهو لن يبقى مقنّعاً أثناء انتقاله إلى الحالة الانتحارية ، وهذا التحوّل قد يحدث بشكل فجائي لا يمكن تداركه... رغم أنه في حالات كثيرة نجد مراحل تطويرية قد يمكن التنبؤ بها ومعرفتها كما يمكن تدارك المريض خلالها وهذا يعود طبعاً لحالة المريض وواقعه الذي يعيشه. إذا كانت أعراض التعب أو القلق أو الأرق شديدة جداً و تشّكل عائقاً أمام القيام بالعلاقات الاجتماعية الطبيعية ، فإن المصابين بها قد يصلون إلى درجة من الانهاك الجسدي والذهاني تمنعهم من أداء المهمات اليومية الأكثر بساطةً. ستتأثر حياتهم العائلية بذلك من جميع النواحي كما ستتأثر حياتهم المهنية بسبب غيابهم المتكرر عن العمل أو صعوبة تعاملهم مع المتطلبات الوظيفية. تشّكل حياة المصابين بالاكتئاب المقنّع اختباراً مؤلماً لهم بشكل يومي ، إذ سيشعرون بالقلق في الصباح ومن ثم بالضيق وهم في طريقهم إلى العمل ، شعور يتمثل بالاختناق أو بنقص الهواء وبثقل الأطراف وتوتر العضلات و بعد أن تنضب كامل طاقاتهم في العمل يعودون إلى بيوتهم عصبيي المزاج وعدوانيين ، أو على العكس حزينين ومنطوين على أنفسهم ، وستظهر على وجوههم التعاسة وانعدام الأمل . إذا لم يستطع الطبيب تشخيص وضعهم على أنه الاكتئاب المقنّع وأكتفي بالقول بأنهم ليسوا مرضى فعلياً أو أن مرضهم وهمي في حقيقته فسيشعرون فوق ذلك أن لا أحد في العالم يستطيع فهمهم وأن الجميع يهملونهم ولا يهتمون لأمرهم ، وقد يزيد من شدة حالتهم ان من يحيطون بهم يعنّفونهم على وضعهم عوضاً عن محاولة تفّهمهم له. يشعر هؤلاء الأشخاص بأنهم مريضون فعلياً ويُعانون من مرضهم هذا ، ويعانون من تخوّفاتهم المستمرة ومن عدم قدرتهم على التحمّل وعدم اندماجهم في الحياة و بمحيطهم الاجتماعي. سيشعرون بالأسى لما حلّ بهم وسيرغبون بالعودة إلى حياتهم الطبيعية ، هذا ما يشِّكل الفارق الحقيقي بين المصابين بالاكتئاب وبين المصابين بالعصُاب ، حيث يستسلم الاخرون للمرض ويتلذذون به ويشّكل لهم احياناً الملاذ والسبب الوحيد للاستمرار في العيش ، بينما يكون الاكتئاب هو السبب الذي يمنع المصابين به من العيش بشكل سليم. هذا الفارق جوهري. بقي علينا هنا أن نقول انه في غالبية الحالات استطاع الباحثون والاطباء والبيولوجيون أن يشخّصوا حالات الاكتئاب المقنّع وتأكدوا من كونه مرضاً حقيقياً وقد حاولوا البحث عن الآليات العصبية والهرمونية والنفسية والبيولوجية التي تسببه ، واستطاعوا اليوم أن يؤمنوا للمرضى علاجية ناجعة. علاج الاكتئاب المقنّع من أهم الأمور في علاج الاكتئاب المقنّع هو امتلاك معلومات جيدة عن طبيعة هذا المرض ، فكثير من العاملين في الحقل الصحي ليس لديهم دراية كافية بالاكتئاب المقنّع ، لذلك فمعرفة أعراض الاكتئاب المقنّع ، و السؤال عنها في الكشف الاكلينيكي ، ويجب عدم التسّرع في كتابة الأدوية المضادة للاكتئاب إلا بعد التأكد من التشخيص ، ويجب التأكد أن المريض لا يُعاني من اضطرابات عضوية نظراً لأن أكثر أعراض هذا النوع من الاكتئاب هو أعراض جسدية في مختلف أجهزة الجسم المهمة ، فالجهاز الدوري والقلب ، والجهاز التنفسي والجهاز التناسلي و الجهاز الهضمي جميعها تكون من الشكاوى التي يحضر بها الشخص المريض بالاكتئاب المقنّع. الفحوصات الطبية والمخبرية والاشعة مهمة ، لأنها قد تساعد على كشف أي تغيّر في الوظائف الطبيعية في حياة المريض. قد يكون من المفيد أن يتم عمل أشعة مقطعية أو اشعة بالرنين المغناطيسي للدماغ للتأكد من عدم وجود أي مشاكل في الدماغ ويكون كقاعدة ينطلق منها العلاج كبداية. ونظراً لأن اضطرابات النوم من أكثر أعراض الاكتئاب المقنّع فإنه من المفيد عمل تسجيل في مركز لاضطرابات النوم لكي يكون العلاج مفيداً في المستقبل. يجب أن يكون العلاج بكامله من قِبل طبيب متخصص مُرخّص و يتعاون الطبيب النفسي مع أخصائي نفسي أو من يحتاجهم العلاج. يجب الأخذ بعين الاعتبار بعض النقاط ، وأهمها: • إن تشخيص الاكتئاب المقنّع هو عملية طبية بحتة ، وهناك العديد من الأمراض العضوية ، وغالباً ما يؤدي الاكتئاب المقنّع فعلياً إلى زيادة شدة حالات مرضية أخرى موجودة. • يجب أن نأخذ احتمال إقدام المريض بالاكتئاب المقنّع على الانتحار بشكل جدي تماماً، فالمصاب بالاكتئاب المقنّع لا يُعاني مطلقاً من أي عجز نفسي حركي ، لذا فهو قادر تماماً (في حالة نوبة قلق حادة مثلاً) على محاولة الانتحار والتي قد تنجح أحيانا لسوء الحظ. • يجب معالجة الاكتئاب المقنّع ، كما هو الحال في الاكتئاب العادي بالأدوية المضادة للاكتئاب ، مثل الأدوية ثلاثية الحلقات والادوية المثبطة للسيروتونين أو النورادرينالين ، وهناك أدوية تجمع بين خاصية الأدوية المثبطة للسيروتونين والنورادرينالين معاً ، وهي أدوية حديثة ولها فاعلية جيدة في علاج الاكتئاب. • العلاج النفسي ، ويكون بعد أن تتحسن حالة المريض من الأعراض العضوية ويكون بمعالجين متخصصين ومُرخصّين في العلاج النفسي. يجب القول ان علاج الاكتئاب المقنّع أمرٌ في غاية الأهمية ومن المفيد أن يطّلع العاملون في مجال الخدمات الصحية على هذا النوع من أنواع الاكتئاب ومعرفة كيفية تشخيصه لكي يتم علاجه بصورةٍ جيدة.