يقول طه حسين في إحدى مقالاته: «والشر كل الشر أن يتحدث رجل الدين إلى الناس فلا يفهمون عنه لأنه قديم وهم محدثون، وإن تحدث الناس إلى رجل الدين فلا يفهم عنهم لأنهم محدثون وهو قديم». مع الأسف أن هذا هو حالنا هذه الأيام، فهناك فجوة عميقة تفصل بين عامة الناس وبعض علماء الأمة، ولذلك فإنه حين يدور النقاش بين الطرفين لا أحد يفهم الآخر، ومن يتأمل في النزاعات القائمة بين بعض المتشددين في الرأي وغيرهم من الناس، حول بعض الأمور الدينية وما يتضمنه ذلك من إباحة وتحريم، ورضا وسخط، وقبول ورفض، يدرك أن ما يقف وراء تلك الاختلافات الحادة هو التباين القائم بين الطرفين في رؤيتهم لطبيعة الحياة المعاصرة وكيفية التعامل معها، أو ما عبر عنه طه حسين (بالقديم والحديث). فما الذي يحدث هذا التباين؟ وكيف تتكون تلك الفجوة العميقة بين الاثنين؟ عندما يعيش الناس داخل شرنقة خاصة بهم تفصلهم عن العالم الذي يحيون في وسطه يجعلهم ذلك يجهلون كثيرا من الأمور المحيطة بهم ذات الصلة القوية بطبيعة الحياة التي يعيشونها، ومتى ظهر لهم شيء من تلك الأمور التي لا يعرفونها بادروا إلى رجمها، مستعيذين بالله من الشيطان، حيث لا يرون فيها سوى كفر أو معصية أو كراهة على أضعف الإيمان، بينما في حقيقتها قد لا تكون كذلك لو أنهم نظروا إليها من خارج تلك الشرنقة التي حصروا أنفسهم داخلها. مما يساهم في نسج هذه الشرنقة العازلة أن برامج التعليم العالي، بحجة التخصص، تحرم الملتحقين بالدراسات الشرعية من الحصول على أية معرفة أخرى في علوم غيرها، كالفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والعلوم المتصلة بفهم الطبيعة الإنسانية كعلم النفس والاجتماع، وهذا الحرمان يجعل الدارسين في المجالات الشرعية منغمسين في علوم الدين وبعيدين عن العلوم الأخرى التي ترتبط بنمط الحياة المعاصرة، فينعكس ذلك على طريقة فهمهم لأمور كثيرة في هذه الحياة، فتتشكل تلك الفجوة العميقة الفاصلة بينهم وعامة الناس. إن الفقيه أو العالم في حاجة شديدة إلى أن يكون معايشا لعصره منغمسا في معرفة معطياته، والمعايشة أو الانغماس هنا لا يقصد بهما الرضا عن كل ما هو موجود في هذا العصر من حسن ورديء، وإنما المراد هو التمكن من فهم طبيعة الحياة المعاصرة فهما عميقا، ومعرفة ما هو مستحدث فيها من معارف وعلوم وأفكار ومبادئ معرفة جيدة، فتكون أحكامه الصادرة أحكاما عقلية نابعة عن علم ومعرفة ويقين، وليست أحكاما دافعها العاطفة الدينية والحماسة الإيمانية وحدها. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة