بعد أن ناقشنا في المقال السابق القضية الأولى وهي شهادة الرجل تساوي شهادتين من النساء في الأمور المالية، سنناقش اليوم القضية الثانية وهي الولاية العامة ورئاسة الدولة.. حيث قرر كثير من فقهاء المسلمين بأن من حق المرأة تولي جميع الوظائف في جميع مجالات الحياة بشرط أن يتناسب ذلك مع توفير الحشمة والعفة لها وبما لا يتعارض مع دورها كزوجة، وقد تولت النساء في الصدر الأول من الإسلام وظائف الحسبة وغيرها من الأعمال العامة، كما أجاز الإمام أبو حنيفة للمرأة أن تتولى بعض مسائل القضاء. إلا أن الفقهاء استثنوا من هذه الوظائف وظيفة رئاسة الدولة، ولكن يجب أن نلاحظ هنا أن الأمر ليس كما يعتقد البعض تمييزا ضد المرأة على أساس جنسها، وإنما ذلك تماشيا مع طبيعة المرأة المملوءة بالرحمة والعطف والحنان، ولما تتعرض له من أعراض الحمل والولادة والرضاعة والحيض وغير ذلك. ومعلوم أن وظيفة رئاسة الدولة وظيفة يتخذ فيها قرارات الحرب والسلم، ووظيفة تحتاج التواجد المستمر في كل الميادين، لذلك فالإسلام هنا ينظر للمسألة على أساس الطبيعة التي تناسب كل جنس من الذكر أو الأنثى. ودليلنا على هذا القول إن الإسلام قد فرض الجهاد الذي تزهق فيه الأرواح وتسكب فيه الدماء على الرجال دون النساء، ولم يقل أحد لا من قريب ولا من بعيد بأن هذه عنصرية ضد الرجل، بل الكل يعرف أن الإسلام قد راعى الطبيعة والقدرة الجسدية والنفسية للرجل والمرأة في هذه المسألة. وإذا نظرنا اليوم في الواقع العملي وبنسبة مئوية بين عدد الرجال والنساء الذين وصلوا إلى رئاسة الدولة في العالم الغربي الذي أتاح الفرص المتساوية للجنسين، فإنك ستجد أن عدد الرجال الذين وصلوا لهذا المنصب قد فاق عدد النساء بأغلبية ساحقة، وهذا يدل على أن وصول المرأة لرئاسة الدولة هو استثناء وليس قاعدة، لذلك فإن الإسلام قد سن تشريعه على أساس القاعدة الاجتماعية العريضة وليس على أساس الاستثناء، وهذا الأسلوب معروف حتى في القوانين الحديثة اليوم عند سن التشريعات. ولكن رغم كل ذلك وحيث إن مسائل المعاملات التي تنظم المجتمع في الاسلام تخضع للقاعدة الفقهية (الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما)، فإن العديد من الفقهاء المعاصرين يرون بانه لا مانع من تولي المرأة رئاسة الدولة، حيث إنهم يرون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يفلح قوم ولوا امرهم امرأة) انه حديث خاص بحادثة معينة وزمن معين وأن مدلوله ليس عاما، خصوصا إذا التفتنا إلى المصدر الأعلى في التشريع الإسلامي وهو القرآن الكريم الذي أثنى على إحدى النساء التي كانت تحكم دولة عظيمة وهي (بلقيس ملكة سبأ) والتي كانت تملك من الحكمة ما جعلها تقود قومها إلى سبيل الرشاد والإيمان مع سليمان عليه السلام، وكذلك إذا التفتنا إلى الواقع العملي اليوم الذي أثبتت فيه المرأة قدرتها على قيادة عدد من الدول العظمى كبريطانيا مثلا، ولا يمكن أن يكون الحديث الشريف مخالفا للواقع.. فمن ذلك كله أخذ الفقهاء المعاصرون جواز تولي المرأة رئاسة الدولة إذا ثبت أنها أهل لذلك، حيث إن الدول الحديثة اليوم تدار شؤون الحكم فيها من خلال مؤسسات الحكم العامة وليس من خلال الأفراد، وما المرأة أو الرجل في هذا النظام الحديث، إلا جزء يكمل الأجزاء الأخرى في تلك المؤسسات. maanaljarba@ hotmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 273 مسافة ثم الرسالة.