لم يدر في خلد أحد ممن دعوا إلى حصول المرأة على حقوقها السياسية أن الطريق ستطول وستكثر فيها العقبات، وأن بعض هذه العقبات سيفرض العودة إلى الوراء. فهناك اعتقاد في بعض المجتمعات العربية بوجود تعارض بين الدين ووجود المرأة على الساحة السياسية، أو حتى على مستوى العمل. ويدور النقاش حول المرأة والسياسة، انطلاقاً من مقولات معظمها ديني، بغض النظر عن مدى إدراك المشاركين في هذا النقاش لها أو لدلالتها، أو إدراكهم أنها قد ترتبط بتقاليد اجتماعية وليس بثوابت دينية. وتشتد سخونة هذا النقاش عندما يصل إلى رئاسة الدولة وحق المرأة في تولي هذا الموقع من عدمه. ومن هنا تأتي أهمية كتاب «المرأة من السياسة إلى الرئاسة»، الصادر حديثاً عن «مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع» في القاهرة، والذي يتضمن دراسة فقهية مقارنة يعرض فيها مؤلفه محمد عبدالمجيد الفقي مواقف المؤيدين والمعارضين للدور السياسي للمرأة. وتشتمل الدراسة على مقدمة وثمانية فصول، وتبدأ بعرض تاريخي لدور المرأة السياسي، ثم تلقي الضوء على أربع قضايا رئيسة ما زالت تثير جدلاً: تولي المرأة القضاء، تصويت المرأة في الانتخابات، ترشيح المرأة لعضوية المجالس النيابية، تولي المرأة منصباً وزارياً، تولي المرأة رئاسة الدولة وقضية الإمامة العظمى. يفند المؤلف ادعاء أن الذكورة شرط يجب توافره في من يختارون الإمام، معتبراً أن لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة. ويشير في هذا الصدد إلى أن المرأة بايعت البيعة الكفائية والعينية، وتعد نسيبة بنت كعب نموذجاً على هذا، فقد بايعت الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) على الجهاد في بيعة العقبة الثانية، وقاتلت في غزوة أحد وغزوة خيبر ويوم اليمامة، كما بايعت بيعة الرضوان على الموت، وهو ما يدل على التزامها بالبيعة. وفي ما يتعلق بمسؤولية المرأة في الشورى، ذهب المؤلف إلى أنها تشارك في المسائل التشريعية ذات الصبغة الفقهية، إذ إن لها بالإجماع حق الاجتهاد والفتوى وهو واجب كفائي. وأضاف أنها تشارك في الشورى في المسائل الفنية المتخصصة، إذ إن العبرة فيها بالأهلية بمعنى القوة والأمانة، وهي واجب كفائي. كما أنها تشارك في الشورى على المسائل العامة باعتبارها فرداً في الأمة، وهي مشاركة واجبة وجوب عين. وتشارك في الشورى على المسائل الخاصة بفئة معينة من خلال العمل النقابي الذي تتأسس مشاركتها فيه على حقها في العمل المهني، ومن خلال الاستفتاءات المحدودة إذا كانت ضمن فئة ذات مصلحة خاصة. ويلاحظ أن على رغم دخول النساء في الساحة الفقهية، والعلاقة المهنية، والرابطة الإيمانية، فإن المرأة يظل لها بعض الأحكام الخاصة في الشرع، وبعض المصالح الخاصة في الواقع، وهو ما يستلزم الرجوع الى عامة النساء قبل اتخاذ قرارات تخصهن في الدولة الإسلامية، وهذا ما فعله الرسول في عصره في أكثر من مناسبة، وهو ما فعله خلفاؤه الراشدون. فعمر بن الخطاب استشار أم المؤمنين حفصة بنت عمر ليعلم منها كم تصبر المرأة على خروج زوجها للجهاد، واتخذ قراراً بناء على رأيها مستهدياً به، فأمر القادة ألا يؤخروا الجنود عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر. وفي ما يتعلق بتولي المرأة القضاء، لاحظ المؤلف أن العلماء اختلفوا قديماً في هذه المسألة بين مانع رافض لوجود المرأة على كرسي القضاء مطلقاً، وبين مؤيد مجيز لذلك مطلقاً، وبين مقيد لجواز توليها القضاء، فلا يجيزه لها إلا في حالات محددة. وذهب إلى أن كثيرين من أعلام العلماء المعاصرين أجازوا تولي المرأة منصب القضاء مطلقاً منهم على سبيل المثال: الشيخ محمد الغزالي في كتبه الأخيرة، ويوسف القرضاوي في كتابه «فتاوى معاصرة»، وعبدالكريم زيدان في كتابه «المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم»، ومحمد بلتاجي في كتابه «مكانة المرأة»، وتوفيق الواعي في كتابه «المسلمات الداعيات». وفي معرض تفنيده أدلة منع المرأة من تولي القضاء، ذهب المؤلف إلى أن المرأة لا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة ما لم يكن معهن رجل، وهذا الاستدلال قاله فقهاؤنا في عصر إفراد القاضي، ولا ريب في أن الفتوى تتغير مكاناً وزماناً وشخصاً وحالاً. وكما هو معلوم أن الشافعي لما جاء إلى مصر تغير كثير من آرائه الفقهية. وفي زمننا استقرت النظم القضائية الحديثة على أنه يجلس للقضاء في كل دائرة هيئة قضائية مكونة من رئيس وعضوين يتشاورون جميعاً، ويتعاونون في مراحل القضية المتتابعة لتحري الحق والحكم به، ولو غفل أحدهم عن اعتبار ما فيها ذكَّره الآخران به، سواء كان الجميع ذكوراً أم إناثاً، فإذا غفلت واحدة ذكرتها زميلتها الأولى أو الثانية، والآية عالجت القصور «النسيان» بتذكير الأخرى لها، وهذا يمكن أن يحدث في القضاء كما يحدث في الشهادة. والشهادة ولاية كما نص الفقهاء على ذلك. وخلص المؤلف إلى أنه لا مبرر لمنع المرأة من تولي وظيفة القضاء، بل الواجب هو توفير الضمانات الشرعية التي تَكْفُل تأديتها وظيفتها من دون مخالفات شرعية. والمهم - كما يقول المؤلف - أنه لا يوجد نص صحيح قطعي الثبوت والدلالة يمنع المرأة من تولي القضاء، فنرجع إلى الأصل، وهو الجواز والإباحة، مشيراً إلى أن رئاسة الدولة غير النظر في خصوص قضية محددة الجوانب فيها خلاف بين خصمين أو خصوم، «لذا فلا نُسلِّم قياس القضاء على الإمامة العظمى». وانتقل المؤلف بعد ذلك إلى توضيح أن النص القرآني لم يفرق بين الرجل والمرأة في الشهادة لنقص إنسانيتها أو كرامتها، بل لأنها بفطرتها واختصاصها لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات المدنية، وهذا واقع إلى حد كبير حتى في عصرنا. ورأى أنه لا دليل في تنصيف شهادة المرأة على منعها من التصويت في الانتخابات، والحق أن الشريعة الإسلامية لم تفرق بين المرأة والرجل دائماً في الشهادة، فقد اعتبرت الشريعة شهادة المرأة الواحدة في بعض القضايا المهمة كثبوت الحيض والولادة والرضاع وغيرها من شؤون النساء، وكذلك شهادات النساء وحدهن في باب الجنايات من بعضهن على بعض في المجتمعات التي لا يحضرها الرجال عادة، مثل الأعراس والحمامات، فيشهدن بما رأين، ولا يهدر القضاء شهادتهن، حتى لا تضيع الحقوق. وبالنسبة إلى حكم ترشح المرأة الى عضوية المجالس النيابية، لاحظ المؤلف أنه ليس في نصوص الإسلام الصريحة ما يسلب المرأة أهليتها للعمل النيابي كتشريع ومراقبة. وضرب المؤلف أمثلة عدة تؤكد أن المرأة المسلمة مارست دوراً تشريعياً وانتهى إلى القول بأن عمل المجلس النيابي ما هو إلا تشريع ورقابة، وأن المرأة المسلمة في عصري النبوة والراشدين، مارست هذا الحق بالأسلوب الذي تناسب مع عصرها، وأنه لا يوجد في شريعتنا ما يمنع المرأة من ممارستها هذه الوظيفة وبالأسلوب الذي يتناسب مع عصرنا. وفي ما يتعلق بحكم تولي المرأة منصباً وزارياً، ذهب المؤلف إلى أن المجتمع المعاصر في ظل النظم القائمة على الشورى، حين يولي المرأة منصباً عاماً كالوزارة أو الإدارة أو النيابة، أو نحو ذلك، فلا يعني هذا أنه ولاَّها أمره بالفعل وقلَّدها المسؤولية عنه كاملة. فالواقع يؤكد أن المسؤولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءاً منها مع من يحملها. وذكر أن عدم تولي المرأة الولاية لا يعد دليلاً على منعها منها، إذ إن عدم حصول الشيء لا يعني عدم مشروعيته، فذلك مرتبط بتطور المجتمع، وهو ما يدخل في تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، ولا يقال: إنه لو كان جائزاً لحصل، لأنه معلوم أن الرسول وصحابته لم يعملوا كل المباحات، فهل عدم حصول أمر مباح من قبل دليل على عدم جوازه؟ ونحن الآن ننظم مجتمعاتنا تنظيماً لم يكن موجوداً من قبل، ونستخدم وسائل لم تكن معروفة من قبل. وبالنسبة إلى تولي المرأة رئاسة الدولة ومسألة الإمامة العظمى، يشير المؤلف إلى أن عامة أهل العلم اتفقوا على حرمة تولي المرأة الإمامة العظمى. و «رئاسة الدولة» هي عندهم كالإمامة العظمى مخصوصة بالرجل دون المرأة واستدلوا بحديث: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وهو جاء تعليقاً على اختيار أهل فارس بنت كسرى لتكون ملكة عليهم. وذهب الكثير من العلماء إلى توسيع دائرة هذا الحديث، حيث منعوا به المرأة من تولي القضاء والوزارة وكل ولاية تَرأس فيها الرجال. وعرض المؤلف في هذا الصدد لآراء عدد من الفقهاء المعاصرين مثل الشيخ يوسف القرضاوي ومحمد سليم العوا وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، وخلص إلى أنه يتبين أن قول عامة أهل العلم من منع المرأة من تولي «الإمامة العظمى»، و «رئاسة الدولة» هو القول الصواب لورود الحديث في منعها من الولاية العظمى ولضعف استدلالات من أجاز لها ذلك - على فضله وعظم شأنه.