يخيم بعض أثرياء السند في باحات منازلهم وسط السيول، أو يقيمون على أسطح منازلها محاطين بالمياه رافضين ترك منازلهم فريسة للنهب، ففي البداية راقب هؤلاء بحذر من بعيد قبل أن يغوصوا حتى الخصر في المياه التي غمرت الشارع الرئيس في قرية عبد الواحد سومرو جنوبي البلاد، وأكثرهم رشاقة اسران سومرو يسبح بينما يكتفي أخوه امتياز الأكثر ضخامة بالسير، وكذلك كريم برخش الذي أتى من المنزل المقابل بكامل أناقته، وتعكس ملامحهم المرهقة إنهاكهم بعد أيام من المنفى الطوعي في وسط مستنقع هائل. لكن هذه هي النقطة الوحيدة المشتركة بينهم وبين أغلبية ضحايا الفيضانات من ملايين القرويين النحيلين الذين تشتتوا منذ أشهر على الطرقات مع نسائهم وأطفالهم. أما الرجال الأربعة الذين يتلقون بتهذيب أكياس الطحين والحليب المجفف والزيت والأرز والشوكولاتة فممتلئين وصحتهم جيدة. هؤلاء يملكون الموارد لإرسال عائلاتهم إلى أماكن آمنة في كراتشي أو حيدر آباد قبل ثلاثة أيام، بعد أن حطم نهر السند العاتي سدا قريبا من بلدة فقير جوغوث واجتاح السهل. وفر القرويون الذين كانوا يزرعون حقول الموز وقصب السكر والقطن مقابل 200 إلى 500 روبية (2 إلى 5 يورو) يوميا لعجزهم عن مواجهة السيول التي ابتلعت منازلهم الطينية، وحدها المباني الحجرية المشادة على تلال القرية صمدت، كالمسجد والمدرسة والمنازل الخمسة التي يملكها أصحاب الأراضي. وقال امتياز «بقينا لوجود الكثير من الأشياء القيمة هنا وتعذر علينا نقلها، نمضي وقتنا في مراقبة القرية لأن البعض قد يأتي بالقارب لنهب منازلنا». أما منزل كريم برخش (34 عاما) فينتصب وسط باحة ضخمة تحيطها الأشجار والأسوار العالية. وغمر 30 سنتمتر من مياه المستنقعات الداكنة التي تبعث رائحة نتنة لامتزاجها بمياه المجارير الطابق الأرضي من المنزل الأبيض المرتفع طابقين ويضم ثماني غرف. لكن شرفة الطابق الأول ما زالت سليمة، حيث كدس كريم وأقاربه كل ما أمكنهم من صناديق وأسرة وأثاث وبرادات وتلفزيون. في الوسط استخدموا بعض الفرش والكنبات لبناء كوخ يحميهم من الشمس، فالحرارة فاقت 40 درجة مئوية. وفيما بدأت المياه تنحسر لا أحد يعلم كم من الأسابيع أو الأشهر سيستغرق سفرهم إلى الجنوب للسباحة في بحر عمان. وقال كريم «أنقذنا أغراضنا، لكن تلف المزروعات سيكلفنا عشرات ملايين الروبيات (مئات الآلاف باليورو)» مضيفا أنه سيبقى «طالما المياه باقية». لكن مصيره أفضل بكثير من القرويين الذين حرموا من العمل وسيعانون الفقر المدقع على ما عكس وجه عبدالستار النحيل وهو عامل زراعي في ال35 من العمر انتهى وعائلته مشردين على طرف سد ما زال واقفا. لم يتمكن عبدالستار من نقل أكثر من هيكلي سرير وبعض الأغراض وما يكفي يومين من الطعام. وقرر البقاء وانتظار انحسار المياه لإعادة بناء حياته في الوادي. لكنه يعلم أن «الحياة ستزيد صعوبة إلا» لكنه «مستعد لبذل كل شيء» من أجل إنقاذ عائلته. وأشار إلى أنه قد يكون مفيدا «للمساعدة في بناء سدود متينة».