البحلقة داء اجتماعي قديم، الكل يبحلق في الكل سعيا لسبر الأغوار، تتطاير نظرات الفضول من العيون الصغيرة والكبيرة.. السوداء منها والعسلية والزرقاء، بحثا عن ما يروي الفضول القديم، تاريخ طويل من التطفل على الشؤون الشخصية للآخرين هو ما يدفع القرنيات والقزحيات لهذا السعار البصري، يقول صاحب الرسالة الأولى: (صباح الخير، كيف حالك يا أستاذي العزيز، أحمد الله أنني حاليا أدرس الماجستير في أمريكا حيث الراحة والطمأنينة والأمان والتسوق اللطيف، وحيث الابتسامة والأخلاق السامية، عندما أذهب للتسوق مع زوجتي أشعر بمتعة التسوق التي لم أحلم بها إطلاقا في بلدي، جئت قبل أسبوعين لحضور أيام رمضان وذهبت للتسوق مع زوجتي في أحد المولات في القصيم وكل ما وجدته هو نظرات الريبة والشك حتى وأنا أصطحب زوجتي، رجال الهيئة يتابعونني بنظرات محترفة كي يتأكدوا بأنني لا أمارس أي خطأ، والمتسوقون الآخرون يوجهون لي نظرات استباقية كي لا أنظر لنسائهم المحجبات بالكامل، طبعا أنا كلي خوف من أن أبتسم بالخطأ لأي شخص هنا رجلا كان أو أمرأة فينتهي بي الأمر في المستشفى، فقد تعودت في أمريكا أن أبتسم للجميع، سامحكم الله يالأمريكان لأنكم تبتسمون دائما في وجه من تقع عيناه في أعينكم!!، المهم صادف مجيئي للسوق أني اطلعت على فتوى ضد توظيف بعض النساء كاشيرات في الأسواق، ووجدت في الإنترنت شيخا يعتبر من يسمحون لبناتهم بالعمل كاشيرات بأنهم من سفلة القوم!، لا أعرف كيف يفكر هذا الشيخ ومن يظن نفسه؟ أستغرب فعلا من أمره، كيف يرفض بإصرار السماح للمرأة بالعمل براتب يساعدها ويساعد أهلها على غلاء المعيشة وفي الوقت نفسه يقف مكتوف الأيدي عندما يراها تبيع في بسطة، لماذا يسمح لها بالشراء من رجل و? يرضى لها أن تبيع على رجل كما أشرت أنت في مقال سابق؟، ألم يفكر بأنها ستكون فرصة كبيرة بأن يشتري النساء من النساء والرجال من الرجال؟، أخيرا أود أن أرفق لك صورة من تجولي في ذلك المول صورتها عندما شاهدت لوحة محل ملابس شهير تقول: للنساء فقط، فرحت قليلا لأني توقعت أن البائعات نساء.. واتضح كالعادة أنهم رجال.. ولكنهم ليسوا سعوديين!). والبحلقة ليست كلها بحلقة فضول وسبر أغوار، بل ثمة أنواع كثيرة من البحلقة المحلية أسوأها على الإطلاق بحلقة الغزل العنيف الذي ينطلق من مشاعر مضطربة وأفكار مفترسة، حيث يحدق الشاب في الفتاة بطريقة سافرة حتى لو كانت بصحبة أسرتها، قبل يومين تلقيت رسالة من قارئ يبرر منع الشباب من دخول المولات بسبب بحلقتهم العنيفة: (أنا مثلك أتعاطف مع الشباب فلدي أولاد.. ولكن المشكلة تكمن في التربية.. فشبابنا وللأسف تنقص الكثير منهم أمور مهمة أهمها غض البصر وترك التحرش والمعاكسات.. ولو أن هناك قوانين صارمة تعاقب هذه الفئة المنحرفة سلوكيا عقابا صارما لربما أدى ذلك إلى اختفاء جميع هذه الظواهر السيئة.. قبل أيام قليلة وفي ليلة من ليالي هذا الشهر الفضيل أحبت ابنتي وزوجها أن يقدما لي مفاجأة تسعدني وأمها وأخوانها فدعتنا إلى مطعم على شاطئ جدة قريب من النافورة.. كان المكان جميلا لا يكدره إلا الروائح المنبعثة من المعسل والدخان.. والغريب أن المحل كان ممتلئا بالشباب حتى فاقوا العوائل عددا.. لم يزعجني وجود الشباب فالعائلة تلبس الحجاب ولا تظهر إلا الوجه والكفين، ولكن ما ساءني هو تعمد بعض الشباب وإصرارهم على متابعة كل سيدة بأنظار تكاد من حدتها تخترق أو تحرق ما أمامها وكأنهم لم يروا في حياتهم امرأة!... هذا لا يليق أبدا.. فأنت ترى الناس في بلاد الغرب الذين لا يدعوهم دينهم إلى غض البصر وكل واحد منهم في حاله لا يحدق في أحد ولا يتبع النظرة النظرة وكأنهم طبقوا حرفيا تعاليم ديننا الحنيف الذي نحن أولى به!). [email protected]