في البداية أؤكد أنني لا أعترض على الحكم الذي أصدره فضيلة قاضي محكمة المدينة -لا أعرف من هو- والذي صرف النظر عن دعوى الفتاة (طبيبة) التي أقامت دعوى ضد والدها الذي عضلها عن الزواج لأكثر من خمسة وعشرين عاما، والسبب -ببساطة- أنني لم أطلع على تفاصيل القضية إلا من خلال ما كتب عنها في بعض صحفنا وقد لا يكون ما كتب ممثلا لكل تفاصيل القضية، إلا أن معرفتي بوجود قضايا مشابهة من آباء يمنعون بناتهم من الزواج لأسباب منفعية كان دافعا لي لتناول هذا الموضوع، بالإضافة إلى ما نشرته صحيفة (الرياض) الثلاثاء 14 رمضان 1431 من أن المحامي أحمد بن خالد السديري تولى هذه القضية ورفع دعوى لمحكمة الاستئناف يطالب بإحالة دعوى موكلته إلى قاض آخر، وأكد أن والد الفتاة يتصرف براتبها البالغ عشرين ألفا ولا يعطيها منه سوى ثلاثمائة ريال، كما أكد أن ادعاء والدها برفضها لعدد من الخطاب ليس صحيحا لأنهم من اختياره. لقد كتبت قبل حوالي عشرين عاما كتابا أسميته (رقصة الموت) شجعت فيه الفتيات على تقديم شكاوى ضد أولياء أمورهن إذا تسببوا في عضلهن؛ لأن هذا من حقوقهن الشرعية، ولهن الحق -أيضا- في تقديم شكاوى على أزواجهن إذا كانوا سيئين ولا يقومون نحوهن بكل حقوقهن الشرعية، فمن حقهن في هذه الحالة خلع هؤلاء الأزواج دون أية التزامات مهما كانت. أعود إلى قصة هذه الطبيبة لأقول: إن من حقها -كما هو حق كل فتاة- أن تختار الزوج الذي ترتضيه، وليس من حق ولي أمرها أن يجبرها على شخص لا تريده مهما كان ممتازا من وجهة نظره؛ لأنها هي التي ستعيش معه وليس ولي أمرها. ومن هنا، فإن ادعاء والدها أنها رفضت مجموعة من الخاطبين ليس حجة له؛ لأن هذا حقها الشرعي ولا يجوز لها إجبارها على أحدهم، كما لا يسوغ له رفضها من أولئك عدم تزويجها ممن تراه أصلح لها. لكن علي أن أنبه هنا أن من حق والدها رفض المتقدم لها إذا كان هناك ما يبرر هذا الرفض شرعا وبأدلة واضحة يقتنع بها القاضي، وأما غير ذلك فلا يجوز له. القضية الأخرى أنه من العيب -لمن يعرف العيب- أن يستغل الأب أو ولي الأمر ابنته -أو اخته- من أجل راتبها فيمنع عنها الأزواج حتى يستمر في تحقيق مكاسب غير مشروعة، بل هي مقيتة لا يقبلها الرجال الأحرار!! هذه الطبيبة حرمت من الزواج -بحسب رواية محاميها- خمسة وعشرين عاما فكم بقي في عمرها حى تتزوج وتشكل أسرة؟! ألم يفكر والدها بمستقبلها كما فكر باستغلالها؟! أتفق هنا مع الصديق الدكتور سعد الغامدي الذي تحدث عن هذه المسألة في مقالته الثلاثاء 14 رمضان تحت عنوان (ظلم ذوي القربى).. فطالب بتدخل جمعية حقوق الإنسان لإنصاف هذه الطبيبة، كما أتفق معه على أهمية وجود صندوق يدعم الإنفاق على هذه القضايا المهمة التي تمس مجتمعنا؛ لأن المرأة قد لا تجد المال الذي تدفعه للمحامي، وليس بالضرورة أن تجد من يدافع عنها احتسابا لله. وأعتقد أن دور المجتمع مهم للتفكير الجاد في إيجاد مثل هذا الصندوق، ولعل الدكتور يبدأ العمل الفعلي لتحقيق فكرته، وأملي أن يجد من يقف إلى جانبه تحقيقا للعدل ولإنصاف شريحة مهمة من بنات مجتمعنا. وأخاطب إخواني القضاة في كل مكان لأقول: إن المرأة قد لا تجد أحيانا ما يثبت صحة دعواها؛ نظرا لظروفها في مجتمع مثل مجتمعنا، ولصعوبة إحضار شهود يقفون إلى جانبها، خاصة ضد والدها، وهنا يبرز دور القاضي وحكمته. إن الوقوف إلى جانب الراغبة في الزواج أمر مشروع ومطلوب لأنه وقوف ضد انتشار الرذيلة والفساد، وأقرأوا -إن شئتم- ما يكتب عن هذا الموضوع، هذا غير ما يستره الله، ومن متطلبات هذا الوقوف قيام المحامين بالاحتساب في مثل هذه القضايا، وكذلك أفراد المجتمع، خاصة أقارب الفتيات في اقناع كل من يعضل ابنته عن الزواج بالتخلي عن ذلك الموقف المعيب. وأخيرا.. فإنني ما زلت أشجع كل فتاة أو امرأة ألا تسكت عن حقها مهما كان خصمها، والدا أو زوجا أو أخا أو غير ذلك؛ لأن السكوت أحيانا يوصل إلى جرائم ومفاسد لا يعلم إلا الله مداها. * أكاديمي وكاتب للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة