في أيامنا هذه، بات أقرب إلى الموضة أن يظهر بين حين وآخر فقيه على الناس، يلوح لهم برؤية فقهية صارخة صادمة لما فيها من منافاة لما يعتقدونه ويتبعونه. فتهيج الأقلام على إثر ذلك بين مؤيدة ومعارضة، وتلوك الألسن ما قال في المجالس، وتتقاذف شاشات التلفزيون أو الإنترنت قوله مشفوعا بأضعافه من التعليقات والتقييمات، فينتشر صيت الفقيه حتى يسمع به القاصي والداني، ويصل ذكره إلى خارج الحدود مردفا بأخبار ما أحدثه من جلبة وضوضاء في مجتمعه وبين جماعته. ثم فجأة، ذات صباح يظهر ذلك الفقيه الجدلي ليعلن على الناس أنه تراجع عما قال، بعد أن تبين له ضلال قوله واتضح له الصواب في غيره. هنا يطل علينا سؤال بريء حول حقيقة هذه التراجعات! كيف يمكن أن يحدث التراجع من الفقيه بهذه البساطة وعلى هذه الصورة السريعة؟ من المسلمات العلمية، أن الفقيه عندما يدلي برأيه في مسألة من المسائل الشرعية مقدما للناس رؤية جديدة تخالف ما ألفوه وما اعتادوا على اتباعه، أن لا يفعل ذلك بناء على هوى نفسه، حتى وإن كان ما قدمه رأيا جديدا مخالفا للسائد، وإنما يتوقع منه أن يكون قد شكل رؤيته استنباطا من البحث العلمي والتقصي الشامل والدقيق لما ورد في النصوص الشرعية. فعالم يجرؤ على الخروج على الناس برأي مخالف لما ألفوه وشاع بينهم الاعتقاد به، من المستبعد أن يكون فعل ذلك دون تمعن منه وبحث ودراسة ومراجعة، فهو لا تغيب عنه أبعاد ما سيثيره رأيه المخالف، وما قد يوجه إليه من اتهامات ولوم من المعارضين، ومن المتوقع أيضا أنه قد هيأ نفسه لصد الهجوم عليه، وتسلح لذلك بالحجج التي تدعم صواب رأيه وتؤكد صحة ما ذهب إليه، أو على أضعف الإيمان تبين أن له وجها يؤيده جانب من الجوانب الفقهية. ومن كان هذا شأنه، يتوقع أن يكون واثقا من صحة قوله ثقة تجعله لا يتراجع سريعا عما قال به، فكيف؟ كيف يحدث التراجع على هذه الصورة السريعة؟ إن هذا التراجع الذي تكرر حدوثه من بعض الفقهاء في مرات متعددة وفي فترة زمنية متقاربة، يبعث على التساؤل حول حقيقته؟ هل تراجع الفقهاء المعاصرين عن آرائهم المخالفة للمألوف هو فعلا، كما يقولون عودة منهم إلى الحق بعد أن تبين لهم الصواب؟ أم هو أثر الضغوط النفسية والخوف على المكانة والسمعة؟ أن يتراجع فقيه عن قول صدر منه كان يظن صوابه، هو أمر ليس بالجلل كما أنه ليس من المحدثات من الأمور، فمنذ أن عرف الفقه، والفقهاء يظهر بينهم من حين لآخر من يبدي تراجعه عن رأي رآه أو قول قال به، وكثيرة هي الشواهد التي ترد عن تراجع الفقهاء، فالتراجع في حد ذاته عودة إلى الحق يدل على الأمانة والتقوى والاجتهاد في الوصول إلى الحق. لكن ما يثير التساؤل هو هذه الكثرة في التراجعات وهذه السرعة في تغيير الرأي وتبديله، حتى بات الناس يأخذون تراجعات المتراجعين من أصحاب الفتاوى الجديدة بشيء من عدم التقدير. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة