في ليلة مثل هذه الليلة لأحد عشر عاما توارت، استدعاني أبي رحمه الله فسألني: كيف ترى أباك هذه الليلة؟ لم تكن تلك ليلته الأخيرة، إذ لم تحن ساعته بعد، وكان وقتئذ يوشك على تجاوز قرن من الزمان. لم يكن مريضا، وكان منهكا في صراعه مع أسئلة البقاء من عدمه وقلت لنفسي لا يوجد إكسير آخر للحياة، فالحياة تأتي مرة ويعيشها الإنسان بحلوها ومرها كما توهب إليه، ومهما أحب الإنسان هذه الحياة، فهو قطعا يؤول من ضعف إلى قوة ومن قوة إلى ضعف ومن ضعف إلى خلاصه الأخير. غير أن الاعتراف بالضعف قوة أيضا والإنسان الحكيم إذ يقبل الضعف فهو إنما يشكر الله على أيام القوة ويسأله اللطف على طمع بالعفو ومن غير مكابرة في ظروف الضعف أيضا. بقيت ساكتا لا أتكلم وعادت بي الذاكرة قديما إلى الوراء، فقد تناول الشاعر زهير بن أبي سلمى في أيامه الخوالي آخر رؤاه معترفا بطي وصاياه الشعرية بالسأم من الحياة وهو يجتاز الثمانين عاما. لقد أراد ذلك الحكيم أن يقول لنا إنه لا يمكنك الإفادة من بقايا الأيام في غير باب التجربة وأما حكاية الاعتماد على ممارسة الفعل، فهو لن يضيف إليك شيئا تركن إليه، لأنه باختصار شديد إنسان عاجز. ومن هنا فقد تناول هذا الشيخ الذي تفيض ذاكرته تجارب وحكمة واعترافا الشيخوخة على أنها تراجع وسأم. وفي الوقت نفسه لا يمكنك تجاهل توظيف ما يتصل بالشيخوخة من معان تفيض احتراما وإفادة عن المشورة والرأي السديد. نحن هنا أمام اتيكيت نبيل في كيفية التعامل مع الشيخوخة، وهو إن كان يطل علينا من خلال ذاكرة زهير بن أبي سلمى فهو يحمل إلينا جزءا كبيرا من ذاكرة التراث العربي في منجزاته الأخلاقية تجاه الشيخوخة. إنها منجزات تنقل إلينا قدرا معقولا من الشفافية التي ربما تختلف في أسانيدها مع موروث الحكمة الرومانية ولكنها بهذه أو تلك تفضي بنا إلى نفس المواقف والأسئلة. قطعا سوف أعيد هذه القصة مع إنسان آخر تربطني به علاقة الأبوة قائلا إليه «كيف ترى أباك هذه الليلة» ولكن لأجل الله ليس الآن.. بعدين.. بعدين.. ويا جماعة ترى رضا الوالدين نعمة .. والتاريخ فعلا يعيد نفسه .. وويل لكل شاب مفتر لا يكرم أباه ولأمه لا يقول كلاما طيبا حسنا!! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة