(تبارك الذي خلق الموت والحياة) وسبحانه مغير الأحوال فجعل السرور وأوجد الأحزان لتسير الحياة وفق سنته وقضائه سبحانه وتعالى. فجعت منطقة الجوف بوفاة الناقد والأديب عيد بن نعيم السهو الذي اختاره الله إلى جواره وبوفاته يرحمه الله فقد المجتمع رجلا شهما وناقدا كبيرا لا يقف أمامه في سبيل الحق أي عائق، فكان مثالا للطيبة الواعية والإدراك الذكي لما حوله مؤمنا دائما بقضاء الله وقدره مراعيا لشعور من حوله صغيرا أو كبيرا. سمعت عنه منذ كنت صغيرة وهو من أبناء أسرة عريقة، فكان له كامل الاحترام لما يتمتع به من علم وأدب، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في سن مبكرة من عمره، وأثرى المكتبة الأدبية بالعديد من دواوينه الشعرية باللغة الفصحى التي منها (ديوان الخواطر، ديوان الذكريات المختار من حكم وأمثال ونصائح الأشعار، مؤلفات تاريخية السرحان تاريخ وقبيلة) بالإضافة إلى نتاج أدبي نشط من خلال الصحف والمجلات محليا وخارجيا. لقد كان من أولئك الرجال الذين برهنوا بسيرتهم الذاتية على أن هذا الوطن العظيم سخي مع أبنائه كبير في عطائه وذلك من خلال مناصبه القيادية التي تقلدها وكان آخرها مديرا عاما للأحوال المدنية في منطقة الحدود الشمالية. كان فارسا من فرسان الأدب عرف بفصاحة بيانه وسرعة بديهته في مداخلاته وأحاديثه. فبعد تقاعده من الوظائف الحكومية تم تكليفه كأول رئيس للنادي الأدبي في الجوف، فكثيرا ما يلجأ إليه رجال الشعر والأدب عندما يشتد الخلاف بينهم حول موضوع معين فيبادر بتقديم نص أدبي توفيقي وذلك لسعة علمه وثقافته. يمتلك مكتبة كبيرة في منزله تحتوي على آلاف الكتب الأدبية والثقافية والتاريخية كان يقضي معظم وقته فيها. هاتفني رحمه الله قبل وفاته بأشهر قليلة وكان يثني على مؤلفي (رؤى وآفاق) وقد أهداني بهذه المناسبة قصيدة يثني فيها على مادة الكتاب فقال رحمه الله في مطلع القصيدة: سفر أطل أتت به الآفاق للقارئين كأنه الترياق فيه الرؤى في طرسه منظومة كالعقد تحفظه لنا الأوراق فقد تشرفت بهذه القصيدة من أديب كبير أمثال أبي يوسف. فأنا أعرف ما في قرارة نفسه كان يهدف إلى تشجيعي والأخذ بيدي إلى العطاء؛ لأنه يفرح كثيرا عندما يسمع أو يقرأ لأي كاتب أو شاعر من أبناء الوطن. من نصحه وحديثه وتوجيهه رحمه الله تستفيد كثيرا من حنكته وموسوعته الثقافية المتميزة وتجربته الاجتماعية وخبرته العملية. نعم أبو يوسف معلما وموجها وأديبا فاضلا لا أملك الآن ولا في وسعي إلا أن أقول رحمة الله عليك أيها الأستاذ، فقد كنت أستاذا في أخلاقياتك، أستاذا في وطنيتك، أستاذا في علمك وثقافتك، أستاذا في إخلاصك وقيادتك الإدارية، أستاذا في العطاء والإنتاجية، أستاذا في الفكر المتجدد دائما، أستاذا في طموحاتك. رحمك الله يا أبا يوسف فإنك لا تزال بين الأدباء والمثقفين القدامى والجدد قدوة خيرة يقتدي بها كل من اعتبر العمل الأدبي رسالة لا وظيفة ومسؤولية لا مناص من أدائها بالإخلاص والتفاني وهو ما وجده فيك كل محبيك على مدى رحلة أدبية طويلة. لعظم المصاب ولمكانة ذلك الرجل وخدمته لمجتمعه في جميع المجالات بكيته في هذه السطور المتواضعة. أسأل الله العلي القدير أن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يلهم أبناءه وذويه الصبر والسلوان، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه (إنا لله وإنا إليه راجعون). *كاتبة