يحرص الجميع على التخطيط لحياتهم، كونه عملية مقصودة لاختيار أفضل الحلول الممكنة للوصول إلى أهدافهم المرغوبة، وعامل مهم لتنظيم شؤون معيشتهم طوال السنة، وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم الآنية والمستقبلية. ويذكرنا دخول شهر رمضان بزيادة سنة في أعمارنا، وهو فرصة مواتية لمراجعة ما مضى من حياتنا، وما صاحبها من إنجازات، أو إخفاقات، أو أهداف تحققت على المستويات الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، والعملية. كما ينفرد بميزة قد لا تتوفر لبقية الشهور، كونه يشكل نقطة تحول لكثير من الناس في الالتزام الجاد بالعبادات،خاصة الصوم، والمحافظة على الصلوات الخمس، وصلاة التراويح والقيام، وقراءة القرآن الكريم. وكذلك الاهتمام بالصحة البدنية والنفسية، والوصول لأعلى درجات الصفاء الروحي، وتحسن المزاج العام الذي يتعرض للتغيير ارتفاعا وانخفاضا في الشهور الأخرى، إضافة لتخصيص هذا الشهر ليكون موعدا سنويا لبذل الصدقات، وأداء زكاة الأموال ورعاية الفقراء والمساكين والأيتام والمحتاجين، وصولا للهدف الأعظم، ألا وهو العتق من النيران، والفوز بالفردوس الأعلى من الجنان. إن هذه الميزات الفريدة لشهر الرحمة، والمغفرة، قد تكون عاملا مساعدا لتجعل منه نقطة البداية الحقيقية للتخطيط لحياتنا طوال العام، إن لم يكن طوال العمر. ومن الجوانب الحياتية التي يمكن أن يكون رمضان حافزا للوصول إلى تحقيقها؛ الاستمرار على الطاعات والعبادات التي تعودنا عليها طوال أيامه ولياليه، لاسيما المحافظة على الصلوات، وقراءة القرآن، وصلة الأرحام، والتسامح مع الآخرين، وتصفية النفوس من الأحقاد، والحسد، والضغائن. وغيرها من العبادات، ليصبح كل ذلك سلوكا نخطط للالتزام به طول العمر، وهو ما يعد بداية تحول في طريقتنا للتعامل مع الله سبحانه وتعالى.. ومن المهم كثيرا أن نخطط بجدية ليكون رمضان الحالي آخر العهد بالنزاع والخلاف مع الآخرين، والعمل لنبذ الفرقة والخصومات، وعدم الاستسلام لمن يخططون للإيقاع بين الناس بالغيبة والنميمة ونقل الأقوال الكاذبة دون وازع من دين، أو صحوة لضمير.. يدفعهم لذلك الحسد والغيرة تارة، وعلاتهم النفسية تارة أخرى! وبذلك نحقق نقطة تحول في تحسين علاقاتنا ليس فقط مع من حولنا كالأهل والأصدقاء، بل مع أنفسنا أولا. ويمكننا الاستمرار بعد رمضان فيما تعودنا عليه من كبح جماح الشهوات بأنواعها، والمحافظة على الصحة البدنية، نتيجة لالتزامنا بالصيام طوال النهار، والاقتصار على وجبتي السحور والإفطار، وهو ما ساعد البعض للوصول إلى الأوزان المثالية، والتخلص من كميات الشحوم والدهون الضارة؛ ونحن بذلك نؤسس لنقطة تحول في التحكم برغباتنا، والعناية بصحتنا العامة باتباع أسلوب الوقاية بدلا من العلاج. • كلمة أخيرة: التسامح تجاه تجاوزات الآخرين فن لا يتقنه إلا العظماء .. ولكن هل يرضي الجميع كونك متسامحا؟! * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected]