فاجأ أستاذ جامعي في علم النفس تلاميذه يوما ما بسؤال غريب هو: ماذا تفعل إذا شب حريق في العمارة التي تسكنها وما هو أول ما تفكر فيه؟ كان الأستاذ يهدف من سؤاله إلى معرفة مشاعر الشباب الداخلية من رجال ونساء ويخرج بأسرارهم التي قد لا يبوحون بها إلا في أزمة متخيلة مثل هذه. كما حاول الأستاذ أيضا معرفة ماذا تحمل قلوبهم من محبة لغيرهم أو للأشياء. وتوقع الأستاذ بسؤاله أن يجيب الطلبة على كل شيء وأن يقولوا أشياء عجيبة، لكن ما حدث لم يخطر على باله تماما، فقد جاءت الإجابات صدمة للأستاذ ومدهشة بكل المقاييس! قال أحد الطلبة في إجابته على السؤال: سوف أحمل كلبي العزيز وأهرب معه فورا. وأجاب آخر: سوف أخرج نقودي المخبأة وأقفز على السلالم فورا. ولم تتردد طالبة بالإجابة: وهل هناك شك .. مجوهراتي أولا والهرب ثانيا! ومع الإجابات التي لم تخرج عن إطار ذوات الطلبة ومصالحهم الخاصة شعر الأستاذ بحزن حقيقي وإحباط كبير على هذه الأوراق المملوءة بالأنانية. لكن رغم ذلك قرر أن يكمل القراءة لعله يجد إجابات مختلفة هنا وهناك. وزاد حزن الأستاذ لأن باقي الطلبة كان أسوأ من الذين سبقوهم في حب الذات. فقد قال أحدهم: سوف أهرب بمجموعة الطوابع النادرة التي امتلكها. وقال طالب آخر إن أول ما يخطر على باله تلك اللوحة الفنية النادرة التي اشتراها من ذلك البلد الأوروبي الذي زاره في أحد سفراته قبل أعوام! ونبش الأستاذ الجامعي الأمريكي في كل أوراق الطلبة محاولا أن يجد إجابات مختلفة لكنه لم يعثر أبدا. فقد حاول أن يجد طالبا واحدا على الأقل يقول إنه سيهرول إلى والدته الكبيرة في السن والتي تسكن معه، أو أن أحدا سيقول إنه سيطرق باب شقة صديقة ليطمئن عليه قبل أن ينزل مسرعا إلى السلالم، أو سيحاول إنقاد أطفال في نفس الدور الذي يسكن فيه. لكن كل تلك الإجابات المتمناة لم يجدها الأستاذ في أى ورقة من الإجابات. فلم يفكر فيها أحد ولم تخطر على بال أحد بل هي ليست في قاموس أحد على الإطلاق في الغرب تحديدا. غير أن المأساة الحقيقية التي لم يشعر بها هذا الأستاذ رغم حزنه من طلبته هي في ظني أن هؤلاء سيكونون أكثر أنانية وذاتية إذا وقع الحريق في عمارتهم فعلا. فتلك الإجابات كانت على الورق، ونحن نعرف أن الأنانية الحقيقية لا تظهر إلا بعد أن ترتفع ألسنة اللهب! وذلك هو الحزن الحقيقي والحريق الذي لا يستطيع أحد إطفاءه ! [email protected]