أكتب هذه الكلمات من على بعد حوالى 12125 كيلومترا من جدة.. وتحديدا من أمام أكبر مبنى في العالم وهو مقر تصنيع البوينج 747 الجديدة التي أطلق عليها اسم 8 747 وسألخصها باسم «أم 8» .. وكما ستجد عندنا الجيل الخامس المطور من بعض «الأشمغة»، فيأتي هذا الجيل الجديد من الجامبو بتطورات ومنها زيادة في الطول.. وتحديدا تصل تلك الزيادة إلى ما يعادل طول سيارة «الجمس» تقريبا لتستوعب حوالى 56 راكبا إضافيا.. وأجنحتها أطول وأكثر تطورا و «ليونة» من الطرازات السابقة لتطير مسافات تفوق ثلث المسافة حول العالم.. من جدة إلى سان فرانسسكو مثلا.. ومحركاتها الجديدة أقوى، وتستهلك وقود أقل من الطرازات السابقة بمقدار يصل إلى حوالى السدس بالرغم أنها لا تزال أسرع طائرة تجارية كما تدعي الشركة المصنعة.. وكل ذلك ببصمة صوتية أخف حدة من ذي قبل لداخل الطائرة وخارجها.. وتقتبس تصاميمها الداخلية من الطراز الجديد بالكامل للبوينج 787 فتوفر إضاءة ذكية، ونوافذ أكبر، ومساحات تخزين أفضل للحقائب الشخصية بداخل المقصورة.. ومحركاتها شكلها غريب.. وهي ضخمة فعلا فيكاد أن يصل وزنها إلى ما يقارب المليون رطل.. ما يعادل وزن حوالى أربعمائة سيارة «كورولا». ولهذه الطائرة خلفية مهمة، فعندما شنت مجموعة الإيرباص الأوروبية هجومها على شركة «بوينج» الأمريكية في مطلع التسعينات الميلادية، كانت فلسفة ذلك الهجوم تتلخص في مبدأ «الكماشة».. وكان الهدف هو «الجامبو» أي البوينج 747 والتي لم يكن لها منافس جاد.. لم تكن هناك طائرة تجارية تستطيع أن تحمل حوالى 450 راكبا لمسافات تفوق ال 11000 كيلومتر، وبسرعة تصل إلى الثمانمائة وثمانين كيلومترا في الساعة.. فتناولتها من «الأسفل» بتصميم طائرة الإيرباص 340 الأصغر قليلا ذات الأربع محركات لتحمل ثلاثمائة وخمسين راكبا بنفس السرعة والمسافة تقريبا.. وتناولتها من «الأعلى» بتصميم الإيرباص 380 الأكبر قليلا التي ممكن أن يحمل ما يفوق الخمسمائة راكب لنفس المسافات ونفس السرعة تقريبا.. وجاء رد شركة البوينج في تصميم البوينج 777 العملاقة ذات المحركين، والتي اكتسحت سوق سعة الثلاثمائة راكب لمسافات متوسطة وطويلة.. ولكن الجامبو بقيت كما هي لفترة طويلة إلى عام 2005 عندما شرعت شركة بوينج في تصميم البوينج 747 المطورة «أم 8» فجعلتها أكبر قليلا وأعلى في انتاجيتها.. بدأت بطراز نقل البضائع ثم تبعتها بطراز نقل الركاب، وإحدى طرائف هذه الطائرة هي اسمها.. فمن الغرائب أن الأوروبيين كانوا دائما يفضلون الأسماء بدلا من الأرقام للطائرات بعكس الأمريكيين الذين يفضلون الأرقام.. أوعلى سبيل المثال تجد أن الدي سي 3 في أمريكا هي «الداكوتا» في أوروبا.. والدي سي 4 في أمريكا هي «السكاي ماستر» في أوروبا.. والإل 1011 في أمريكا هي «الترايستار» في أوروبا.. والبوينج 747 في أمريكا هي «الجامبو» في أوروبا.. وطبعا بعد ما جاءت الإيرباص انقلب هذا النظام بالكامل، فأصبحت جميع الطائرات تعرف بالأرقام.. الشاهد أن «أم 8» لا تخضع لأي تعليل منطقي فهي ليست الثامنة في ترتيب الطرازات المختلفة.. بدأت الجامبو بطراز 100747 ثم 200 ثم «إس بي» ثم 300 ثم 400 وبالمناسبة فالخطوط السعودية هي من الشركات القليلة جدا التي تمتلك وتشغل جميع هذه الموديلات المختلفة من طائرات الجامبو.. وللأسف أن معظمها «قرمبع».. ومنطقيا فالمفروض أن تكون الطائرة الجديدة «أم 6» إن صح التعبير.. يعني 600 747، وتدعي شركة بوينج أن اقتباس العديد من تقنيات طائرتها الجديدة بالكامل من طراز 787 هو السبب.. ولكن يقال من خلف الكواليس أن استخدام الرقم 8 بسبب أنه من الأرقام التي يتفاءلون بها في الشرق الأقصى وهو أحد أهم الأسواق لهذه الطائرة.. كلمة الثمانية بلغة الماندرين «با» شبيهة بكلمة الحظ السعيد أو الثراء.. وللتذكير بأهمية الرقم فقد حرص منظمو الألعاب الأولمبية الصيفية في «بيجنج» في الصين عام 2008 أن تبدأ الأنشطة رسميا في الساعة الثامنة، وثماني دقائق، وثماني ثوان، في الثامن من الشهر الثامن (أغسطس).. وفي الصين أيضا قد تم عرض رقم هاتف يحتوى على ثمانيات فقط بحوالى مليون ريال.. ويسعى الجميع لأجل الحصول على الرقم في أرقام حساباتهم، ومبانيهم وشوارعهم. أمنية بدأت كتابة هذا المقال في الثامن من أغسطس.. يعني 8/8 وربما زاد هذا من تأثري بالرقم.. وانحيازي للجامبو يأتي من إعجابي الشديد بهندستها السابقة لأوانها منذ أربعين سنة.. وبالرغم من أسعارها التي تصل إلى أكثر من البليون ريال بقليل، أتمنى أن تشكل جزءا من تحديث أسطول السعودية لأنها طائرة مدروسة وذات تاريخ موثق فقد أنتج منها 1435 طائرة منذ بدايتها عام 1969 ويتطلب خط الإنتاج الذي أشاهده الآن إخراج أكثر من عشرة آلاف لوحة هندسية تشمل أجزاء «أم 8» المختلفة.. والمسؤول عن كل هذا هو م. «محمد يحيوي» لأنه نائب رئيس شركة بوينج ومدير برنامج 747. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة