لندرك رحمة بديع السموات والأرض علينا، يتعين أن، نتبصر عالمنا وأنفسنا بعمق وحصافة. عنده، نجد أن الكون والإنسان يتناغمان كإيقاع الوتر الموسيقي المدوزن بإتقان متناه، وبهندسة ربانية بالغة الدقة، وقف الإنسان أمامها متأملا، وحاول أن يدرك كنه هذا العالم وأسراره مستخدما حواسه وعقله، إلى أن أتاه الشرع فكمل ما عجز العقل عن إدراكه. وكل ذلك، جاء رحمة من الله تعالى علينا. فتوحيدنا وعبادتنا وعلاقتنا مع بعضنا البعض رحمة من الله علينا، لأنها مرتبطة بقضية التوفيق الإلهي، والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، والذي يعبر عن الجزئية الأخيرة من الثوابت التي تبدأ بالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر. لذا، يمكن القول بأن كل العبادات التي أوجبها المولي عز وجل علينا تقوم على الرحمة والاعتدال، والأبلغ أنها قد تصل إلى حد الإحسان. لهذا اختلفت درجات الإيمان، والمتأمل فى شهر رمضان يجد أن الله تعالى قد رحمنا عندما فرض الصوم شهرا واحدا من مجموع اثني عشر شهرا، وجزء من اليوم يبدأ من شروق الشمس إلى غروبها أساسه النية. وقيمه الأخلاقية تظهر في أن فعل الصوم يعتمد على إمساك النفس ليس على شهوتي البطن والفرج فقط ، ولكنه يعتمد على إمساك سائر حواس الإنسان عن المآثم. ويعود على الصبر والانضباط لأوامر الله تعالى وأحكامه. كأنما هذا الشهر فترة تدريبية يمكن أن يطبقها على بقية أشهر السنة لأنه إيقاظ لتقوى القلوب ليسمو الجانب الروحي. وفيه إحساس بمعاناة الفقراء ما يؤدي إلى الرغبة في مساعدتهم. وهناك تناسب تضاعفي بين الإنفاق والحسنات. وشاءت الرحمة الربانية بأن تتضاعف الحسنات في هذا الشهر، وفي هذا الشهر يمكن أن تذوب الخلافات الأسرية وتكثر زيارات الأقارب والمعارف لما فيها من نشر لقيم المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع. [email protected]