الأدب الذي نتحدث عنه هنا هو ذلك الموروث الثقافي الذي يصنعه الإنسان وتصنعه الشعوب في حاضرها وماضيها، فهو سجل توثق به الأمم تفاصيل حياتها وتجاربها وآلامها وأفراحها وأحاسيسها، من خلال لغة جمالية وفكر راق وخيال واسع ومشاعر إنسانية، مستخدمة في ذلك الشعر بأنواعه (الغنائي والتمثيلي والملحمي)، والنثر بفروعه (القصصي والروائي والمسرحي) وما إلى ذلك من فروع الأدب الأخرى. وقد عرف الإنسان الأول الأدب قبل سبعة آلاف سنة في حضارة ما بين الرافدين في العراق، وأراد بهذا الفن أن يحقق أهدافا عدة، أهمها التعليم والتثقيف من خلال المتعة والترفيه. وكان (الأدب الجنسي) أحد الروافد التي طرقها الأدباء منذ أيام الإغريق وقبلهم وبعدهم وإلى يومنا هذا، لأنه لا مناص من الاعتراف بأن قضايا الجنس حاضرة بقوة في حياتنا الإنسانية وقد استخدم رواد هذا النوع من الأدب أساليب شتى، فمنهم من اعتمد أسلوب الوصف الإباحي التفصيلي للأحداث الجنسية في النص الأدبي بشكل ماجن وفاضح، ومنهم من اعتمد أسلوب التلميح دون التصريح بألفاظ بلاغية لا تخدش الحياء. وإذا كانت وظيفة الأدب وظيفة سامية تتمثل في المتعة والفائدة بأسلوب راق، سنلاحظ بأن الأدب الإباحي التفصيلي سيلغي وظيفة الأدب الحقيقية، حيث إن الحديث عن الجنس بهذه الطريقة سوف يحجب العقل عن الفائدة، والروح عن السمو، والعواطف الإنسانية عن التدفق، لأن الجنس هو الغريزة الأقوى التي تسيطر على الإنسان، وان استدعائها بهذه الطريقة سوف يغيب كل ملكات الإنسان الأخرى.. وما عليك لإثبات ذلك إلا أن تنظر لمن يرتادون (بيوت البغاء) كيف يفقدون السيطرة على عقولهم بإنفاقهم الأموال الطائلة من أجل هذه الغريزة، وكيف يفقدون عواطفهم عندما يمارسون عملية جنسية خالية من أية مشاعر إنسانية نبيلة كالحب والمودة والرحمة، وبفقدان العقل والعواطف فإنه لن يبقى للروح شيء بكل تأكيد. ولا شك عندي بأن الأدب الإباحي يخالف الفطرة الإنسانية السليمة، ومعيار ذلك أن كاتب الرواية الإباحية مثلا، هو نفسه عندما يضطر للحديث مع ابنته حول موضوع جنسي، فإنه لا محالة سوف يلجأ إلى التلميح بألفاظ راقية لا تخدش الحياء. لذلك فالأدب الحقيقي من وجهة نظري هو الأدب الذي يستطيع أن يوصل الفائدة والمعلومة ويجذب القارئ إليه بأرقى صور فنية دون ابتذال، وهذا هو الفرق الحقيقي بين المبدع وغير المبدع، لأن جلب القارئ إلى العمل الأدبي من خلال الإباحية الجنسية لا يحتاج إلى كثير من الجهد وإلى كثير من الإبداع. ومن الملاحظ هنا أن القرآن الكريم تطرق إلى كافة أمور الحياة دون أي مانع أو حرج، واستخدم في ذلك أسلوب التلميح دون التصريح، فتكلم مثلا عن قضية الخيانة الزوجية ومحاولات الإغراء والمكائد النسائية في محاولة الحصول على الجنس في قصة يوسف عليه السلام، وتكلم عن الشذوذ الجنسي في قصة قوم لوط عليه السلام وصور محاولاتهم المستميتة وغير المشروعة للوصول إلى رغباتهم الجنسية، ولكن القرآن استخدم في كل ذلك أسلوبا راقيا وألفاظا بلاغية وصورا إبداعية لا تمس الحياء بحال من الأحوال. وبالطبع في نهاية هذا المقال، لابد أن نفرق بين النصوص الأدبية الجنسية التفصيلية التي غرضها تثقيفي تعليمي بحت مثل كتاب (رشف الزلال من السحر الحلال) للإمام السيوطي وكتاب (تحفة العروس ونزهة النفوس) لأبى عبد الله محمد بن أحمد البجائى، وبين النصوص الأدبية الجنسية التي غرضها الإثارة و تهييج الغرائز فقط دون أي فائدة معرفيه أو تثقيفية مثل قصائد الشاعرة الاغريقية (سافو) و روايات الأديب الأمريكي (هنري ميللر)، فالنوع الأول من النصوص ينطبق عليه قاعدة (لا حياء في العلم) حيث إن هذا النوع من المعرفة ضرورة تعليمية يحتاجها الإنسان في حياته الزوجية واستقراره النفسي، وفي هذه الحالة نكون أمام تسخير الأدب من أجل العلم، أما النوع الثاني فهو استدعاء للغريزة دون أي فائدة معرفية أو فنية مما يحجب العقل والعواطف الإنسانية الراقية كما ذكرنا سابقا. maanaljarba@ hotmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 273 مسافة ثم الرسالة.