فيما مضى كان بوسع أفراد الأسرة الالتفاف حول وسائل الإعلام بمحتوياتها وبرامجها لمتابعتها دون أدنى تحفظ، وتدريجياً مع بعض التطورات الدخيلة أصبح على الأسرة أن تختار أوقات وبرامج ومطبوعات مناسبة لتلافي مواجهة مشاهد أو محتويات تخدش الحياء بجرأتها.. أما اليوم فقد اقتحم منزل الأسرة زائر جديد هو الإعلان الذي يتخلل المادة الإعلامية في أي وقت دون استئذان، وأما جديد الإعلان فهو الإثارة أو أسلوب الجذب عبر الإيحاءات الجنسية أو الترويج لمنتجات لايخلو مجلس الأسرة عند متابعتها من شخص يتوارى خجلاً أو صغار يطرحون الأسئلة التي تستعصي إجابتها.. وبدورنا نسأل من خلال هذا التحقيق هل أصبحت الأسرة تعاني حقاً من هذه الإعلانات؟ وهل من سبيل لمواجهتها حتى لايصبح الإعلام سلاحاً ذو حد واحد؟..(الندوة) طرحت هذه القضية على شرائح مختلفة من أفراد المجتمع فكانت الحصيلة التالية. والله عيب في البداية تقول أم فيصل عن تجربتها مع إعلان في إحدى القنوات الفضائية شاهدت إعلاناً عن منشط جنسي لم يكتفِ الإعلان بذكر اسمه بل احتوى على وصف مخجل بصوت نسائي رقيق جعلني أفكر بعد ذلك لشدة خجلي، أغلقت التلفزيون فوراً وعاهدت نفسي بعدم التفكير مجدداً في فتح تلك القناة مرة أخرى. اللي استحوا ماتوا أما أم معتوق تجيب عن رأيها على الإعلانات الجريئة، فتقول: أنا ضد الإعلانات المغلفة بالجنس وحينما أشاهدها أشعر حقاً أن (اللي اختشوا ماتوا) ولا أدري كيف تطرح بهذا الشكل على مرأى من جميع أفراد الأسرة وكأنها أمر عادي.. بالإضافة لذلك بعض المنشطات الجنسية قد ثبت أن لها مخاطر وتأثيرات جانبية وهي بذلك عقاقير خطيرة لا يجب الإعلان عنها والتروي لها بشكل عشوائي حتى لا يعتقد المشاهد أنها مثل (البانادول) الذي بوسعك أن تتناوله دون استشارة طبية.. وتضيف: مع تكرار هذه الإعلانات أعتقد أنها ستنزع شعرة الحياء المتبقية لنا وماكنا نخجل من تداوله علناً قد يصبح حديث مجالس الكبار والصغار.. وكم أتمنى من شركات الدعاية والإعلان أن تراعي المكان والزمان الذي تذاع فيه هذه النوعية من الإعلانات، فالعقاقير الجنسية يكفي الإعلان عنها في العيادات الخاصة بما أنها تحتاج إلى روشتة طبية، كما أن الفوط الصحية بالإمكان أن نكتفي بالإعلان عنها في المدارس والتجمعات النسائية. إعلانات خطيرة ويتفق الشاب عبدالله أحمد في خطورة تكرار هذه الإعلانات واقتحامها لحياتنا، قائلاً: ما يقلقني حقاً أن تداولها أصبح أمراً طبيعياً في كل مكان بينما المفترض أن تعرض على استحياء وفي قنوات معينة لاستهداف برامجها كل الأسرة فهي تخاطب في واقع الأمر غريزة قديمة قدم الدهر لدى الإنسان بأسلوب مبتذل ومكشوف يؤثر سلبياً على المجتمع بكل فئاته.. وأبسط تأثير غير مباشر لها هو نزع الحياء من النفوس وهذا أمر خطير جداً.. وعن تأثير الإعلانات على المجتمع يقول: تأثيراتها لاتشمل فقط الجانب الاجتماعي والنفسي بل تمتد لتشمل الجانب الاقتصادي أيضاً فكثير من هذه المنتجات تنتشر بسبب الإعلان المثير وليس بسبب الجودة والفعالية، وكلنا نعلم أن التدليس في ترويج السلعة أمر يرفضه الدين والعقل والمنطق والعادات والتقاليد فيكف بنا نجمع بين المؤثرات والإيحاءات الجنسية!!. أساليب مبتذلة وتحدث المواطن علي أحمد قائلاً: أرى أن استخدام أساليب مثيرة لجذب نظر أو سمع المستهلك تعد أساليب خاسرة لاتدوم في المجتمع السوي إلا كما تدوم فقاعة صابون ماتلبث أن تزول بيد أصحابها.. وأراها مخالفة صريحة للوصية النبوية وللقرآن الكريم فالمولى عز وجل جعل الستر هو الأساس في أخلاقنا كما أعتبر الجهر بالعلاقة الحميمة أو المشاهد المخجلة أمراً منكراً عندما يتم ترويجه بكثافة تألفه الناس ويخرج بهم عن الحياء الذي يعد جزءاً لايتجزأ من الإيمان.. كما تعمل الدعايات المخالفة على تحويل تفكير الشباب وإبعادهم من معالي الأمور إلي سفاسفها.. أما عن العلاج، فيقول: العلاج هو بالتكاتف وإدراك القائمين على هذا القطاع لمسؤوليتهم عما يبث، ومن جهة أخرى علينا نشر الوعي الذاتي بين أفراد المجتمع وأخص بالذكر الشباب والشابات حتى يصدر الترفع من صاحبه بدلاً من أن يفرض عليه.. فالمسألة من وجهة نظري بحاجة إلى حث وتحفيز وإعادة الثقة في الشباب لتجديد اعتزازهم بقيمهم. وترى الاستاذة أم وسام أن لهذه الدعايات أثراً كبيراً في زعزعة الثوابت الدينية في نفوس الشباب والأطفال وكذلك في الترويج لصور مرفوضة، فتقول: نرى على سبيل المثال في الإعلانات التي تروج للعطور امرأة متبرجة ساحرة تمشي قرب الرجال لتدير رؤوسهم برائحتها فيلحقوا بها ومع تكرار هذه المشاهد وغيرها من إعلانات المنشطات الجنسية والفوط النسائية على أفراد الأسرة نشعر في بداية الأمر بالخجل إلى أن تصبح أمراً واقعاً عادياً ومقبولاً.. وعن ردة الفعل المطلوبة حيال هذه المشاهد تقول: أرى أننا كأفراد لابد لنا من استنكار مثل هذه الأمور قولاً وفعلاً وبيان سلبياتها وتوعية المجتمع عن طريق المؤسسات الاجتماعية مقاطعة الشركات والمنتجات التي تعتمد على هذا الأسلوب الترويجي وعدم مشاهدة إعلاناتها حتى ينشأ جيل لديه قناعة شخصية بالابتعاد عنها. الانفتاح الفكري ضرورة ومن جهتها ترى المواطنة أم علاء أن الإعلانات بصفة عامة هدفها جذب الانتباه لشيء ما قد يكون رأياً أو فكرة أو شخصية كما في الانتخابات، مشيرة إلى أن الغرض الأكثر شيوعاً من الإعلانات التجارية هو الترويج للسعلة.. وعن ذلك تقول: الغرض هو لفت الانتباه وجذب الأنظار بأي وسيلة وكأنها تطبق مبدأ مكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) فقد تفننت شركات الإعلان في تبني هذا المبدأ متجاوزة المعقول والمقبول إلى خانة الخطوط الحمراء وقد ساعدتها على ذلك وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي تهتم بالعائد الإعلاني الذي تحصل عليه نظير مساحات زمانية أو مكانية تشغلها تلك الإعلانات والتي تعول عليها إلى حد كبير في استمرارها أو توقفها متعللة بمبدأ المتلقي (الجمهور عاوز كده).. وترمي أم علاء باللوم على المشاهد، قائلة من غير المجدي إلقاء اللوم على وسائل الإعلام وحدها فنحن أيضاً شركاء فيما تبثه وسائل الإعلان من الغث والسمين باستمرارنا في شراء تلك المنتجات والتي تثبت مبيعاتها مدى نجاح أو فشل الحملة الدعائية ومعايير الربح والخسارة قد تضطر القائمين ومالكي تلك الوسائل إلى غض البصر والتعامي عن بعض الضوابط وخصوصاً إذا أصبحت مسألة الاستمرار أو التوقف على المحك.. لذلك لست مع تشفير القنوات أو منع الدش فمثل هذه الحلول تسبب نوعاً من الصدمة الحضارية للنشء بسماعهم عن الوسائل المحرمة عليهم عن طريق الأصدقاء مما قد يدفع بهم إلى اللجوء لأساليب خفية لمتابعتها بعيداً عن الأهل. لابد من الوعي ويعلق أبو وليد على الإعلانات، بقوله: أرفض أن يكون الأسلوب مخالفاً للذوق العام، فأنا اعترض على الأسلوب وليس المنتج بحد ذاته. وفيما يتعلق بتأثير هذه الإعلانات على شريحة الشباب يقول: إنها تؤدي إلى تأجيج المشاعر ولو قمنا بتشريح خلايا مخ الشباب والشابات سنجد أن 99% منها منشغلة بالعلاقات العاطفية والجنسية وهي نتيجة طبيعية لتكريس هذه الفكرة في أذهانهم من خلال الإعلانات وغيرها مما تعرضه الفضائيات بكثافة لذلك علينا أن نعالج هذا الخطأ بمحاولة الارتقاء عن الترويج للسلع والأفكار من خلال إثارة الحواس، أضف إلى ذلك أن بعض العقاقير الجنسية التي يجري الترويج لها لايتم الكشف عن أعراضها الجانبية أوخطورة الإفراط في تناولها مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأنها مثل الفيتامينات دون إدراك انها انتجت لعلاج مشاكل معينة وليست لمجرد تنشيط الغرائز. إعادة بناء المناهج وتنبه أم جيهان إلى ضرورة أن يحرص المشاهد على نقل رأيه للجهات المسؤولة فتقول المشكلة فينا نحن لأننا دوماً نستقبل بصمت.. كما أعتقد أن المناهج الدراسية والتعليم لها دور في هذه السلبية فلابد من إعادة بناء المناهج لتحتوي على مهارات القرن الواحد والعشرين المتطلبة لبناء المجتمع وبناء الشخصية من مهارات الحوار والتفكير الناقد ومهارات التكييف والتعلم والاتجاهات الايجابية للتعليم ومهارات استخدام تقنية المعلومات.. فيجب علينا كأولياء أمور أن نقدم النصح ونساعد الجيل الجديد ونشجعه على أن يصل بتفكيره إلى الرجوع لشرع الله عز وجل والتصدي لهذه الأفكار التي تؤثر على أخلاقياتنا.. فهي إن لم تؤثر عليك كشخص لقوة وازعك الديني فإنها ستؤثر على غيرك وتأثيرها غير مرئي لذلك كل شخص مسؤول عن أسرته ومجتمعه يجب أن يأخذ موقفاً وأن لا يكون سلبياً فكل راع مسؤول عن رعيته. مراعاة المشاهد وأشارت المواطنة: أم أمين أن مايبث من إعلانات مخزية عبر القنوات الفضائية يجب أن يواجه بالحزم، والملاحظ أن الاعتماد على الإثارة الجنسية في الإعلانات هي الوسيلة الأسهل للفت الانتباه حيث تلجأ لها بعض الشركات التي تغفل قيمنا ومبادئنا بل وتحاول تدميرنا ذلك أننا مع مرور الوقت نعتاد من خلال هذه الإعلانات على مشاهد وتصرفات غير أخلاقية وتصبح تلقائياً أمور مقبولة تمر بنا دون أن نستهجنها، فوسائل الترويج الراقي والأفكار الإبداعية الخلاقة كثيرة وجميلة وبوسعها أن تنجح في إبهار المشاهد والمستمع دون أن تفاجئه بما يخدش حياءه.. اختيار الوقت ضروري وتقول المواطنة: نور الهدى إذا لم يكن هناك مفر من بث هذه الإعلانات وكان هناك إصرار على اقتباس هذا الأسلوب وفرضه على مجتمعنا فأتمنى أن نقوم بتقليد البلاد المتحضرة في اختيار أوقات عرضها مراعاة للصغار وتقديراً للأسرة.. ومن جانب آخر أتمنى من كل أسرة أن تحرص على رقابة وتحصين أبنائها مما يحمله لهم الفضاء الإعلامي المفتوح.