أتت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد القمة الثلاثية في لبنان، والتي جمعت الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، تحقيقا للسعي المتواصل من جانب المملكة لدعم جهود المصالحة الوطنية اللبنانية، ودرء أية محاولة لجر البلاد إلى أتون حرب أهلية، وسد الفخاخ التي تزرعها إسرائيل لزعزعة الأمن والاستقرار في لبنان. ومن ثم، فإن هذه القمة الثلاثية تهدف في جوانبها الأشمل، إلى العمل على تحقيق المصالحات العربية وتوحيد الصف العربي في مواجهة الأزمات التي تخلقها إسرائيل في المنطقة، وهو ما اتضح في جهود الملك عبد الله في تحقيق التشاور والتنسيق العربي مع القاهرة ودمشق وعمان. وفي جانبها العملي، فإن هذه القمة تركز على تحقيق الوئام بين أطراف العمل السياسي اللبناني بوأد أجواء الصراع وفتح أجواء التهدئة، وهو ما نجزم أن القمة الثلاثية قد نجحت في تحقيقه. ولا شك أن الدور الذي قام به الملك عبد الله يعد دورا فاعلا في هذه القمة، ويترجم الدعم السعودي المتواصل والرامي إلى تعزيز الاستقرار في الأراضي اللبنانية، وذلك منذ الجهود التي بذلت منذ اتفاق الدوحة في عام 2008، لاستقرار لبنان وأمنه وأمن المنطقة العربية على نحو عام. ويتوافق الدور الذي اضطلع به الملك عبد الله في القمة الثلاثية، ويتكامل أيضا مع جهود المملكة لاستمرار عملية السلام، خاصة مع قرب انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل شهر أيلول المقبل. ولعل استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان، من شأنه أن يصب في مصلحة مفاوضات السلام التي ستجري، خاصة وأن المملكة تعد شريكا جوهريا للسلام والاستقرار في المنطقة، عبر مبادرة السلام العربية. وبقدر ما استطاعت القمة الثلاثية تحقيق أهدافها في خلق أجواء التهدئة بين اللبنانيين، فإنها من جانب آخر تسد الطريق على إسرائيل في خلق فتنة طائفية بين السنة والشيعة، وهو ما أكده البيان الختامي للقمة الذي ثمن المساعي التي يبذلها خادم الحرمين والرئيس السوري بشار الأسد لتجنيب البلاد أزمة سياسية أو مواجهات مماثلة لأحداث مايو (أيار) 2008 التي وضعت البلاد على حافة حرب أهلية جديدة وخلفت نحو 100 قتيل، فإن هذه القمة أيضا قد أبرزت دور الرعاية العربية لقضايا لبنان وتأكيد المساندة العربية له سياسيا وأمنيا. وبحسب ما أكدته القمة من أهمية لدعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني، والالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، وتغليب مصلحة لبنان العليا على أية مصلحة فئوية أو فردية، والاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات. ونجاح ما توصلت إليه هذه القمة من نتائج يتوقف على مدى حرص اللبنانيين أنفسهم على تبني وترجمة ما خرجت به القمة من دعوات مخلصة لتجنيب البلاد ويلات حرب مجددا، ومدى نجاح الإخوة اللبنانيين في استثمار الدعم العربي بعامة والسعودي بخاصة والممثل في جهود خادم الحرمين الشريفين في دعم واستقرار لبنان على جميع المستويات الأمنية والسياسية، وأيضا الاقتصادية، وهو ما تجلى في إعلان التضامن مع لبنان في مواجهة تهديدات إسرائيل واختراقاتها اليومية لسيادته واستقلاله وسعيها لزعزعة استقراره. إن أكبر مكسب سياسي حققته لبنان من هذه القمة، هو تأكيد حصولها على الدعم العربي والتوصل إلى إرساء قيم التهدئة التي تقود إلى استقرار البلاد. * مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.