يعجب البعض أحيانا لم صار الناس في هذا الزمن أشد تهالكا على كسب المال من قبل، حتى أوشكوا بسبب ذلك أن تضيع منهم المروءة والشيم الصالحة التي كانت شائعة في الماضي. وغالبا ما ينصب اللوم في ذلك على الزمن وتغيراته الرديئة التي باتت تدفع بالناس إلى الاهتمام بالمظاهر والتهافت عليها حتى ضاعت المعاني الجميلة من النفوس وحل محلها الطمع والتنافس على جمع المال. واقع العصر وطبيعة التغيرات الحادثة فيه، تؤكد تسلط قوة المال على جميع شؤون الحياة وبالتالي فإنه لا يمكن لوم أحد أن تهالك على كسب المال، ففي هذا الزمن لا مكان سوى لمن يملك المال فكثير من الاحتياجات التي كان ينعم الناس بها مجانا أخذت تتناقص تدريجيا، بعد أن أخذت الدعوات إلى تخصيص الخدمات تتصاعد يوما بعد يوم، وصار الاتجاه يندفع قدما نحو بيع كل شيء بلا استثناء، بما في ذلك تلك الأشياء التي اعتاد الناس الحصول عليها بالمجان، وذلك تحت مبررات مثل التنظيم وتحسين الخدمات وتقليص الزحام وغير ذلك من التبريرات، ولم يبق سوى الهواء ليعلب ويسوق بحجة أنه نظيف خال من التلوث. هذا يعني أن الناس عليهم أن يهيئوا أنفسهم لنوع العيش الذي يطمحون إليه بالاجتهاد في كسب قدر أكبر من المال، بعد أن باتت الحياة نوعين: نوع ممتاز لمن يملك، ونوع آخر أدنى لمن لا يملك. حين قرأت ما كتبه الأستاذ محمد الحساني مؤيدا ما تدرسه وزارة العدل حول إمكانية إسناد إصدار الوكالات الشخصية، التي تصدر حاليا من كتابات العدل الثانية في المحاكم، «إلى مكاتب المحاماة مقابل رسوم مناسبة تدفع لتلك المكاتب»، كي يتاح وقت أطول لكتابات العدل لتقوم بأعمال أخرى فيخف الزحام عليها ويقصر انتظار الناس الطويل لها. عندما قرأت ذلك ظننت للوهلة الأولى أن وزارة العدل هي التي ستقوم بدفع التكلفة المادية لمكاتب المحاماة التي ستعينها على إنجاز بعض مهامها، فاستحسنت الفكرة ورأيت فيها نوعا من التخفيف والإسراع في إنجاز الأعمال. لكني لما مضيت في القراءة وجدت أن من سيدفع التكلفة هو صاحب الحاجة، وذلك في مقابل أن يجد خدمة مريحة وسريعة، أما إن كان ممن لا يملك المال فإن عليه أن يتحمل (المرمطة) والتعامل التعيس في ردهات كتابات العدل! وهذه الفرصة في الحصول على خدمات (المرمطة) محدودة، فهي حسب اقتراح الكاتب الفاضل متاحة لمدة لا تتجاوز العشر سنوات، وبعدها على الفقير (أن يدبر حاله) وأن يطهر أحلامه حتى من الحصول على هذه الخدمة (المرمطية). وإذا تذكرنا أن كثيرا من الوكالات الشخصية يحتاج إليها أناس (غلابا) وليس ورثة مليئين ولا تجارا ذوي أرصدة منتفخة، أدركنا مدى البخس الذي سيحل على الناس من جراء هذه الخدمة الجديدة. كم من الأرامل والمطلقات والمرضى والمعاقين العاطلين عن العمل والذين هم في حاجة إلى توكيل من ينوب عنهم فمن أين لهم نفقات مكاتب المحاماة لاستخراج الوكالة؟ فضلا عن أن الوكالات التي ستستخرج من هذه المكاتب تحتاج إلى تصديقها من كتابات العدل، أي أنها لن تغني عن زيارة كتابات العدل و(المرمطة) في أروقتها. بعد هذا، هل يلام الناس إن هم تهالكوا على جمع المال، بعد أن صار أساسيا في صناعة الفروق في نوع الخدمات والحصول على الامتيازات؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة