ما إن يطأ المرء أرض إحدى المدن البريطانية الكبرى مثل لندن، حتى يشعر بأن نصف الكرة الأرضية، ومنهم العرب وغيرهم من الأجناس الأخرى، قد أرسلوا ممثليهم إلى هذه المدن كي يشعروك بأن بريطانيا لم تعد أرض الأنجلو سكسون، بل أصبحت تمثل أجناسا وأعراقا متعددة. حيث تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى أن هؤلاء المهاجرين سيصبحون يمثلون خمس السكان خلال أقل من عقدين من الزمن. ولندن، مثلها مثل بقية العواصم العالمية، بصخبها وضجتها تشعرك بأن الاقتصاد المحلي اقتصاد قوي لايضاهيه أي اقتصاد آخر. غير أن هذه الصورة الزاهية لا تلبث أن تتغير ما أن تطأ قدماك إحدى المدن الأخرى مثل بلاك بول، أو ما نشستر. ففي هذه المدن ستجد أن عددا لابأس به من المتاجر والشركات قد أغلقت أبوابها، وأن القوة الشرائية لدى المواطنين في هذه المدن لم تعد كما كانت عليه من قبل. وحتى العمائر والعقارات، فإن عددا منها معروض للبيع. وإن كانت مشكلة التراجع الهائل الذي شهدته أسعار العقار في الولاياتالمتحدة لم تصل بعد إلى الجزر البريطانية. ويبدو أن التراجع الاقتصادي الذي شهدته هذه المدن قد جعلها تركز على خدمات معينة، أو مواسم معينة. فالمدن الساحلية لاتروج أسواقها أو تفتح معظم مطاعمها إلا خلال إجازة نهاية الأسبوع. كما أن اقتصاديات التعليم قد طبعت بعض اقتصادات المدن الصناعية السابقة. فبعد أن كانت هذه المدن تعتمد بصفة رئيسة على الصناعة والعمال، باتت اليوم تعتمد على الطلاب والجامعات. والاقتصاد البريطاني في حال أفضل من مثيليه الفرنسي والإيطالي، فنسبة البطالة في الجزر البريطانية لاتتعدى 7.8 %، مقارنة بنسبة 9.9 % في فرنسا و8.7 % في إيطاليا. غير أن هذه النسبة مرشحة للارتفاع، فبعد أن أمضى السيد كاميرون وحكومته حوالى الشهرين في (داوننج ستريت)، فإنه قد ظهر على الملأ في الأسبوع الماضي ليعلن أنه سيغير من سياسة سلفه السيد (جوردون براون) والتي كانت تعتمد على ضخ الأموال والاستثمارات الحكومية لإنعاش الاقتصاد البريطاني، وهو ما اعتمدته معظم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين لعلاج الأزمة المالية العالمية. وأعلن السيد (كاميرون) بأن حكومته ستعتمد السياسات القديمة للسيدة (مارجريت تاتشر) وتقلص من الإنفاق الحكومي ولتغطية التوجه الجديد، فإن السيد كاميرون قد ألقى خطابا في الأسبوع الماضي دعا فيه إلى رؤية جديدة ركز فيها على ما يسميه «المجتمع الكبير» وهو مجتمع في رأيه لا يعتمد على الإنفاق الحكومي والتوظيف في القطاع العام، بقدر اعتماده على الاستثمارات الصغيرة والخاصة، التي يمكن أن تؤمن الوظائف الكافية للمواطنين، ولاتتأثر سلبا وبشكل سريع للهزات الاقتصادية. ومثل هذا التصور لم يتلق القبول المطلوب من معظم المحللين البريطانيين الذين يرون أن حكومة كاميرون ترغب فقط في تقليص العجز الحكومي وزيادة الضرائب على معظم السلع والخدمات، ومن أهمها الضرائب على النفط والبترول، وهو المادة التي تعتبر عصب الاقتصاد البريطاني. وستجعل مثل هذه الزيادة في الضرائب العديد من المواطنين يفقدون وظائفهم واستثماراتهم، خاصة إن كانت تعتمد على المواصلات بشكل مكثف. بريطانيا أيضا منزعجة لما تتعرض له شركة (بريتيش بتروليوم) من مشكلات جمة في الولاياتالمتحدة إثر الحريق الذي أصاب إحدى آبارها النفطية في خليج المكسيك وخلف دمارا بيئيا هائلا في ولاية لويزيانا الأمريكية. وقد تراجعت القيمة السوقية لأسهم الشركة إثر هذه الأزمة، وأصبح الكثيرون يشيرون إلى احتمال إعلان إفلاسها. إضافة لذلك فإن سمعة الشركة قد تعرضت لهزة عميقة إثر اتهامها من بعض المشرعين الأمريكيين في الكونجرس بتورطها في موضوع الإفراج عن (عبد الباسط المقراحي) في العام الماضي، مقابل حصول الشركة على عقد نفطي في ليبيا، قدرت قيمته بحوالى عشرين بليون دولار.. وقد نفت الشركة حدوث مثل هذا التورط، وبعد ضغوط كثيرة عليه، اضطر رئيس الوزراء (ديفيد كاميرون) إلى السفر إلى الولاياتالمتحدة لمناقشة الوضع المتأزم لهذه الشركة في البيت الأبيض وفي الكونجرس. علما بأن الحكومة البريطانية تملك نسبة من رأسمال هذه الشركة. جمال بريطانيا وخضرتها ومياهها تغطي الكثير من المشكلات والهموم التي تشغل بال مواطنيها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة