يتأكد يوم بعد يوم أن الإفراج عن الليبي عبد الباسط المقراحي المدان باعتداء لوكيربي لم يكن لأسباب إنسانية فقط مثلما أعلنت اسكتلندا وإنما جاء أيضا نتيجة صفقة سياسية بين طرابلس ولندن. ففي 21 أغسطس / آب ، اعترف سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي صراحة بأن قضية المقراحي كانت حاضرة دائما خلال مناقشة العلاقات التجارية بين ليبيا وبريطانيا. سيف الاسلام القذافي وأضاف في مقابلة مع قناة "المتوسط" الليبية أنه تم طرح قضية المقراحي عند بحث عقود النفط والغاز مع الجانب البريطاني ، مؤكدا أن هذه القضية أثيرت أكثر من مرة مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ورغم مسارعة وزارة الخارجية البريطانية إلى نفي ما أعلنه نجل الزعيم الليبي ، إلا أن هناك عددا من الدلائل التي تؤكد صحة ما أعلنه سيف الإسلام القذافي من أبرزها أن بلير كان زار ليبيا عام 2007 وخلال الزيارة وقعت شركة بريتش بتروليوم البريطانية على عقد للنتقيب عن النفط بقيمة 900 مليون دولار مع الجانب الليبي. أيضا فإنه خلال استقباله للمقراحي بعد وصوله طرابلس ، أعلن الزعيم الليبي معمر القذافي أن إطلاق سراح المقراحي سينعكس إيجابيا على علاقات بلاده ببريطانيا ، ووجه الشكر لرئيس الوزراء البريطاني جوردون بروان وملكة بريطانيا اليزابيث لدورهما في تشجيع الحكومة الاسكتلندية لإطلاق سراح المقراحي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة والذي يعاني من مراحل متقدمة من مرض السرطان. وأضاف قائلا :" هذه الخطوة في صالح علاقات البلدين وفي صالح علاقاتي معهما وحتما ستكون لها نتائج ايجابية على مختلف جوانب التعاون بين البلدين". ومن بين الأدلة أيضا ، مقال للكاتب روبرت فيسك في صحيفة الاندنبدنت قال فيه :" لقد فضل البريطانيون إعادة المقراحي إلى بلده على فتح الباب أمام طوفان من المعلومات التي كان يمكن أن تظهر في الاستئناف الذي كان تقدم به مؤخرا وسحبه قبل الإفراج عنه بأيام " ، كما نسبت التايمز إلى المقراحي القول بعد الإفراج عنه :"رسالتي للشعبين البريطاني والاسكتلندي أنني سأقدم الدليل على براءتي قبل موتي وسأطلب من الشعبين إصدار الحكم بعد ذلك". القذافى وبراون والمقراحى وهناك أمر آخر مهم يؤكد وجود صفقة بين طرابلس ولندن ألا وهو ردود الأفعال التي صدرت عقب الإفراج عن المقراحي وخاصة ما يتعلق منها بالاحتفالات الضخمة التي شهدتها ليبيا . فقد علقت صحيفة "الجارديان" على رد الفعل الأمريكي على الاستقبال الحافل الذي لقيه المقراحي في ليبيا ، قائلة :" إن البيت الأبيض استشاط غضبا لهذا الاستقبال وقد وصف المشهد في مطار طرابلس بأنه مثير للغضب ومقزز". وكشفت في هذا الصدد أن رئيس الحكومة البريطانية جوردون براون كان بعث رسالة شخصية إلى القذافي طالبه فيها بأن "يبدي حرصا" ويضمن أن تكون عودة المقراحي "بدون أضواء" ولكن بعد ساعات من إرسال هذا الخطاب لقى المقراحي استقبال الأبطال في طرابلس. وبالنظر إلى أن ليبيا لم تلتزم بكافة بنود "صفقة" إطلاق سراح المقراحي حسبما كشفت " الجارديان " فقد قررت بريطانيا إلغاء زيارة الأمير أندرو التي كانت مقررة في سبتمبر لطرابلس . وفي المقابل ، وجه الزعيم الليبي انتقادات حادة لمعارضي الاحتفالات ، وذكر بقيام ليبيا بالإفراج عن الطاقم الطبي البلغاري الذي كان مسجوناً في طرابلس بتهمة التسبب بوفاة 400 طفل عبر حقنهم بفيروس الإيدز ، قائلاً :" إن ليبيا نقلتهم إلى بلغاريا لاستكمال عقوبتهم، إلا أنه جرى الإفراج عنهم واستقبلهم البرلمان الأوروبي بالتصفيق ، لماذا لم نسمع هذه الاحتجاجات على تبرئة هذا الطاقم المدان؟ ولماذا لم يتم الكلام على أن هذا يجرح مشاعر أسر الضحايا الليبيين." وتابع القذافي بالقول :"هل نحن ليس لدينا مشاعر ، وهم عندهم مشاعر ؟! .. هل نحن حمير وهم فقط البشر ، هذا سياسة الكيل بمكيالين ، وهذا التطاول ، وهذا الاستكبار ، والاستخفاف بالأمم الأخرى وبمشاعرها وبرأيها العام وبإنسانيتها هذا هو الذي ولد الغبن ، وولد الإرهاب الذي يعانون منه الآن" . ورغم أن القذافي لم يتحدث صراحة عن صفقة ، إلا أن تصريحاته الغاضبة السابقة ومقارنته بين الإفراج عن المقراحي والإفراج عن ممرضات الإيدز تعطي مصداقية أيضا لما أعلنه نجله سيف الإسلام بشأن الصفقة . استقبال حافل المقراحى اخيرا في ليبيا وكانت اسكتلندا قررت في 20 أغسطس الإفراج عن المقراحي وذلك "لأسباب إنسانية" باعتبار أنه مصاب بسرطان البروستاتا الذي وصل إلى مرحلة متقدمة لم تعد تتيح له العيش لأكثر من أشهر. وعاد المقراحي إلى بلاده في اليوم ذاته بصحبة سيف الإسلام القذافي ، وشهد مطار معيتيقة الدولي في طرابلس احتفالات شعبية ورسمية ضخمة بهذه المناسبة . وفي 21 أغسطس ، أظهر التليفزيون الليبي العقيد معمر القذافي وهو يستقبل المقراحي ويحتضنه وبعد اللقاء بينهما ، امتدح القذافي الحكومة الاسكتلندية ووصف قرار الإفراج عن المقراحي بأنه شجاع. وكان المقراحي حكم عليه في يناير/ كانون الثاني في عام 2001 بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتفجير طائرة الخطوط الجوية الأمريكية (بان أمريكان) فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية في 21 ديسمبر عام 1988 والذي أدى إلى مقتل 270 شخصاً بينهم 11 من سكان البلدة واتهم المحلفون، الذين نظروا القضية، المقراحي بزرع حقيبة تحمل قنبلة على متن طائرة كانت متوجهة من مالطا إلى ألمانيا، مستغلاً عمله في مطار مالطا، قبل أن تنقل الحقيبة إلى الطائرة الأمريكية التي انفجرت فيها لاحقاً. وأشار القرار الاتهامي إلى أن المقراحي هو عميل للاستخبارات الليبية، وقد شوهد وهو يبتاع بعض الملابس التي عثر عليها لاحقاً داخل الحقيبة المفخخة. ورغم نفي الزعيم الليبي معمر القذافي صحة الاتهامات السابقة ، غير أن طرابلس عادت لاحقاً ووافقت على تحمل مسئولية قضية لوكيربي بعد تعرضها لضغوط غربية لا حصر لها ، كما سمحت لمصرفها المركزي بتحويل مبلغ 2.7 مليار دولار يدفع لعائلات ضحايا الحادث، الذي أودى بحياة جميع من كانوا على متن الطائرة، وعددهم 259 شخصاً، إضافة إلى 11 قتيلا على الأرض ، على سبيل التعويض. أقرأ أيضاً : الإفراج عن المقراحي .. هدية القذافي في رمضان