بدأت المجتمعات البشرية أنثوية عشتارية، فكانت المركز المسيطر على كل المقاليد، المتمتع بكل أشكال الحرية والسيطرة، فتمرد الرجل وانقلب عليها مستقدحا المجتمعات الذكورية. فأصبحت المرأة حبيسة مسكنها، محرومة من التمتع بحقوقها، في وقت ترزح فيه تحت وطأة جملة من الواجبات مما يفرضه الرجل بوصفه سيد الأسرة ومرشدها الاقتصادي والديني عند اليونان والرومان ومعظم الشعوب. وبعد النهضة الفكرية والصناعية في أوروبا، ظهرت اتجاهات ومذاهب تنادي بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات كافة. بيد أن القرآن والسنة النبوية الشريفة تناولا هذا الأمر بمعالجة ربانية. فالخالق جلت قدرته أعلم بكنه مخلوقاته. تعامل القرآن مع قضية الرجل والمرأة بمنطق المساواة بين الرجل والمرأة، فجعلهما متساويين في التكريم الإلهي على جميع المخلوقات، وتحمل الأمانة والتقوى، مبادئ الثواب والعقاب، الوصية والميراث، موجبا على الرجل العديد من الآداب والحقوق، ملزما المرأة بواجبات تجاه الرجل. بجانب ذلك، راعى حقوق الطرفين، فالرجل قد يكون زوج، جد، أب، عم، خال، ابن, أو زميل. والمرأة أم، جدة، خالة، عمة، ابنة أو زميلة. وتتباين مشارب الحقوق والواجبات، إذ إن هذه العلاقة ترتقي من مبدأ المساواة إلى مصافات التكامل حين ينصهر الرجل والمرأة في علاقة زواج. وهنا يظهر تكريم القرآن والسنة لهذه العلاقة لأنها تعتمد على الميثاق بين الطرفين، والمودة والرحمة. وفوق ذلك، أحل الله الطلاق وأوجب على الرجل النفقة، وكرم الرجل بأن جعل القوامة له. وهنا يتعين أن نذعن لهذا الأمر، لأنه أمر رباني. وكرم الخالق المرأة في أيام حيضها، فهي لا تعزل إلا في الفراش فقط، بل ويمكن مخالطتها ومؤانستها، فقد كانت لاتجالس أيام الجاهلية واليهود تعتزلها. وجعل الأنثى حرث للرجل، وإذا مات زوجها كفل لها حق العدة واستبراء الرحم، ثم ميزها بنصيبها في الميراث. إن سلمنا جدلا أن وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة، وأن كل دعوة للمساواة المطلقة بينهما هي دعوة باطلة شرعا وعقلا، إذ إن لكل من الجنسين وظيفة تختلف عن الآخر، وهم مشتركون في جميع مسائل الدين أصوله وفروعه، إلا في أشياء مخصوصة للفوارق التي بين الرجل والمرأة، وكذلك في شؤون الحياة كل فيما يخصه. عليه، يتعين علينا أن نوضح هذه العلاقة الرفيعة، ونضعها ضمن إطارها المتوخى منها بحيث تجسد حقوق المرأة والرجل معا. [email protected]