جاء الإسلام بتفاصيل كاملة حول العقيدة والعبادات، ولكنه وضع قواعد عامة دون أي تفاصيل في المعاملات، والمعاملات هي مجموعة القواعد التي تحكم وتنظم سلوك الأفراد في المجتمع. ومن الملاحظ أن الأسلوب القانوني في الإسلام قد وضع قواعد وأحكام عامة دون أن يتدخل في التفاصيل إلا نادرا، ثم يترك المجال للفقيه في استنباط الأحكام التفصيلية من خلال هذه القواعد والأحكام العامة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وذلك بحسب ظروف الزمان والمكان. وهذا الأسلوب القانوني في الشريعة الإسلامية هو الذي جعل الأحكام الفقهية أحكاما مرنة ومتغيرة وغير جامدة وصالحة لكل زمان ومكان، وذلك تطبيقا للقاعدة الفقهية «الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما»، أي أن الأحكام الفقهية أحكام متغيرة مع ظروف الزمان والمكان حيث إن الحكم الفقهي يدور مع السبب في الوجود والعدم ليحقق مقاصد التشريع. فهذا الأسلوب القانوني هو بالضبط ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، وسوف تجد هذا الأمر واضحا كل الوضوح عندما أوقف وبدل «عمر بن الخطاب رضي الله عنه» العديد من الأحكام الفقهية، بسبب تغير الظروف وتغير الزمان والمكان، وذلك كما حدث في مسألة سهم المؤلفة قلوبهم وقضية حد السرقة في عام المجاعة وغيرها الكثير من الأمثلة. والعجيب في الأمر، أن هذا الأسلوب القانوني الإسلامي هو ما تحاول القوانين الغربية الوصول إليه، حيث إن فقهاء القانون الغربي اليوم يعتبرون أن القانون «السويسري» من أفضل قوانين العالم، لأنه استطاع أن يطبق هذا الأسلوب القانوني في سن التشريع، فهذا الفقيه الفرنسي المعاصر جوسران يقول «إن القانون السويسري قد فاق كثير من قوانين العالم، لأنه لم يحاول أن يضع نصا قانونيا لكل مسألة، بل إنه اكتفى بوضع القواعد والمبادئ العامة وترك لأساتذة القانون الحرية الواسعة في التقدير والاجتهاد من خلال هذه المبادئ العامة، وبذلك استطاع المشرع السويسري أن يؤمن لقانونه المرونة والتطور». انتهى كلام الفقيه الفرنسي جوسران. فما قاله الفقيه الفرنسي جوسران يجعلنا نقول بأننا هنا أمام لمحة من الإعجاز القانوني في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث تم تطبيق هذا الأسلوب القانوني الفريد قبل 1400 سنة. إذن فالعيب ليس في القانون الإسلامي، وإنما العيب في فهمنا المغلوط لهذا القانون العظيم، لذلك كله أعتقد بأنه قد آن الأوان لعلماء الأمة للاجتهاد في الكثير من الأحكام الفقهية التي لابد من إعادة النظر فيها بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة عليها، وبعد تغير ظروف الزمان والمكان. maanaljarba@ hotmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 273 مسافة ثم الرسالة