لقد أصبح عصرنا عصر الرحلات الخاطفة، التي قد تستغرق يومين أو يوما أو حتى الجزء من اليوم الواحد، وأصبح الوقت يحسب بالساعات والدقائق لا بالأيام والأسابيع، لقد مكنت خدمات الطيران بفضل الله تعالى الناس من إنجاز أعمالهم في أوقات وجيزة وبقليل من التنظيم نتمكن من إنجاز الكثير من الأعمال. طرأت علي الأسبوع الماضي رحلة خاطفة إلى عاصمتنا الحبيبة بغرض مراجعة بعض الدوائر الحكومية ثم حضور اجتماع عمل والعودة في نفس اليوم، وكعادتي أفضل التقدم بيوم عن أعمالي. توجهت إلى مطارنا العزيز بجدة استعدادا للرحلة التي تبين أنها تأخرت، صعدنا إلى الطائرة بعد انتظار امتد لما يقارب الساعتين، طبعا لن يتسنى لي الوصول مبكرا كما كنت أخطط، صعدنا إلى الحافلة المعدة لنقلنا إلى الطائرة، تقدمت إلينا سيدة طاعنة في السن تسأل بكل عفوية «رايحين لنجران»، تمالكنا أنفسنا عن الضحك، طلبنا من الموظف أن يلحق بالسيدة قبل أن تجد نفسها تصيف في أبها، صعدنا إلى الطائرة، وكعادتها الرائعة استهلت الرحلة بدعاء سيد المرسلين في سفره عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، رحب بنا قائد الطائرة بلطف وبلهجة عجيبة، وبسؤالي عن جنسيته قيل إنه من الجنسية الإسبانية، وفور بدء الرحلة علمت لماذا يحب الإسبان مطاردة الثيران، دخلنا مغامرة إسبانية مشوقة، لاشك أن الأجواء كانت مضطربة أو أن صاحبنا معتاد على المناظر الخلابة، وعندما يرى صحارينا يصيبه النعاس وطبعا ختمها بنطحة إسبانية «هبوط» بدأت معها رحلتي فصلا من الاضطرابات المعوية، وصلت في وقت متأخر إلى مطار الرياض، استقللت سيارة الأجرة، توجهت إلى الفندق الشهير قبيل الفجر صليت، غفوت قليلا، توجهت إلى أعمالي، صاحبتني حالة من الصمت طوال اليوم، فمطاردة الثيران البارحة كانت قد فعلت فعلها من مغص وصداع، رغم ذلك أتممت أعمالي بنجاح، بتوفيق الله تعالى، عدت إلى الفندق، توجهت إلى المطار قبيل الرحلة بساعتين ونصف، عسى أن تكون كافية، ناسيا حال عاصمتنا الحبيبة في فترة الظهيرة، قادني سائق الأجرة في متاهة متعرجة لتفادي الاختناقات المرورية، وقفت عند صيدلية أخذت حبة للغثيان، وصلت إلى المطار بعد إغلاق رحلتي بخمس دقائق، توجهت لكاونتر الانتظار وعند رؤيتي لطابور الانتظار المئوي عادت معدتي إلى الاضطراب، سجلت اسمي وتعاقبت الرحلات الرابعة فالخامسة والنصف فالسادسة والسابعة دون أمل، امتد الانتظار لعشر ساعات لم تخل من بعض المفاجآت السارة، فقد توجهت لمكتب لخدمات رجال الأعمال استمتعت بتصفح الإنترنت، عثرت على بعض البحوث الرائعة في مجالي، قمت بطباعة أحد البحوث المطولة، اكتشف المقلب عندما علمت أن قيمة الورقة الواحدة خمسة ريالات للطباعة، دفعت قيمة التذكرة مرتين، أخذت أوراقي ودعيت عليهم وقلت أروح أشرب قهوة أحسن، نودي باسمي وآخرين من كاونتر الانتظار على رحلة إضافية غير مقررة، طرنا من الفرح قبل أن نطير، وصلنا إلى جدة رحلة مريحة والحمد لله.. انتهى المقلب؟ «باقي شويه».. توجهت إلى مواقف السيارات المظللة التابعة لمطار جدة لأفاجأ بانتظار دام ساعتين بالتمام والكمال لحين الخروج من المواقف، وعلمت لاحقا أن السبب أنه لا يوجد غير منفذ واحد مفعل، اضطربت المواقف، ضاق الناس ذرعا، فالجو خانق لا يطاق والموظف الوحيد يكاد يصاب بالجنون من أبواق سيارات السائقين الغاضبين، أذكر منذ سنين مضت عندما كنت مولعا بركوب الخيل وشاركت في سباقات القدرة والتحمل كما تسمى، والتي قد تمتد لمسافة المائة كيلو متر ويزيد، وأذكر عندما تعثر حصاني المسكين في أحد السباقات واضطررت للنزول عنه وحثه على المشي 15 كيلو مترا من السباق مشيا على الأقدام، إلا أن رحلتي على حصاني العربي العجوز لم تكن أشق علي من رحلتي الأخيرة مع الثور الإسباني الطائر.. أشكر كافة العاملين على خدمات الطيران على لطف التعامل وما نلمسه من تفان وإخلاص، أخص بالشكر موظفي كاونتر الانتظار بمطار الملك خالد بالرياض على جهودهم المضنية أنقل لهم شكري الجزيل وتقديري وغيري من المسافرين المنهكين. أحمد أسامة الراضي محام