أحيانا تحدث لي أمور لا أفهمها، فبعد أن دعاني الصديق علي مكي لافتراس تيس مسكين مع الزميل هادي فقيه في مطعم مجهول لا يمكن العثور عليه حتى عبر تقنية (جوجل أيرث) بدأ جوالي يرن بإلحاح، كان على الطرف الآخر شخص لطيف طلب أن يلتقي بي لأمر لا يحتمل التأجيل، قلت له إنني في هذه اللحظة ( متيس )، فأكد لي أن هذا هو المطلوب بالضبط!. ولكي أخرج من حالة الطبقة المسحوقة التي تسبب فيها المطعم المجهول اسما وعنوانا اقترحت أن يكون لقائي مع هذا الأخ في أفخم فنادق جدة، عرفت بعد دقائق من اللقاء أنه شاعر جميل ورجل يتمتع بثقافة واسعة، ولكن المشكلة تكمن في غرائبية الموضوع الذي جاء من أجله، فصاحبنا ادعى الجنون ودخل إحدى المصحات النفسية الحكومية كي يتعرف على عوالم المرضى النفسيين، قفز التيس المسكين داخل رأسي وبدأ ينطح خلايا الدماغ بقوة، فاعتدلت في جلستي وقلت: (ممكن تعيد الكلام اللي قلته.. لأن مخي على قدي)!. كان حديثه مرعبا للغاية، فقد دخل مستشفى الصحة النفسية في بلجرشي، واستطاع أن يخدع الأطباء هناك ويقنعهم أنه (فاصل)، وداخل المستشفى رأى العجب العجاب، فهذا المستشفى موجود في مكان موحش وبارد جدا، ويتكون مبناه القديم والمتهالك من ثلاثة أدوار، حيث خصص الدور الثالث للنساء اللواتي لا يتوقفن عن الصراخ!. لا يمكن تخيل سوء المعاملة التي يحظى بها النزلاء المساكين في هذا المستشفى، ناهيك عن الأكل الرديء، وتشجيع التدخين بشراهة: (من يملك السجائر يملك الحقيقية) هذه هي النظرية الأولى التي توصل إليها صاحبنا هنا، الحمامات قذرة جدا وأبوابها مفتوحة، ضرب المريض مسألة أقل من عادية، الأطباء لا يملكون وقتا للاستماع إلى المرضى، الممرضون في منتهى القسوة ولكنهم يستعيدون إنسانيتهم للحظات حين تأتي ممرضة جميلة ذات قلب رحيم ومحبة للمرضى، أما الأدوية فهي لا تعطى وفق حاجة المرضى بل لترسيخ الهدوء وفرض حالة (الدلاخة)!. أما الموضوع الأكثر إثارة فهو أن بعض المرضى ليسوا مرضى فعلا، بل إنهم لو كانوا في مكان آخر لتم التعامل معهم باعتبارهم فلاسفة ومفكرين يستحقون جائزة نوبل، ولكن عائلاتهم وقبائلهم لم يطيقوا أفكارهم الغريبة واعتقدوا أنهم مجانين، فحملوهم رغما عنهم إلى هذا المستشفى الذي لا يتردد في طحن عقولهم في رحى سوء المعاملة والخدمة الرديئة!. انتحر التيس المسكين الذي كان يقفز في دماغي، وشعرت بالذهول من القصص العجيبة والمشوقة التي كان يرويها لي هذا الرجل، قلت له إنني أحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثين مقالا وقطيعا كاملا من التيوس كي أستطيع تغطية جزء يسير من هذه الحكايات المرعبة والطريفة التي يرويها، وقبل أن ينتهي اللقاء أكدت له أن واجبه كمثقف خاض هذه التجربة القاسية أن يؤلف كتابا ينقل من خلاله هذا الواقع المرير للناس، تحمس للفكرة وأكد لي أنه سوف ينتهي من الكتاب خلال هذا العام!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة