من الأفكار الحديثة التي بزغت في هذا العصر فكرة المجتمع العولمي، الذي يخلو من الحدود الفاصلة بين المجتمعات، مجتمع تذوب فيه الفوارق وتمتزج الثقافات وتسحق الانتماءات المتعددة لتتمحور كلها في انتماء واحد لعالم واحد يتقاسم الجميع العيش فيه، فما تعود هناك حروب ولا نزاعات ولا تنافس أو مطامع. فكرة المجتمع العولمي و(المواطن العولمي) تعبير آخذ في التنامي ليدعم فكرة الانسلاخ من الانتماء الوطني إلى العالمي. والفكرة في ظاهرها تبدو أقرب إلى الإنسانية والسمو، حيث تبدو متمثلا فيها النبل متسامية إلى العمل من أجل إشاعة الحب والسلام والعدل والخير في العالم كله وليس في جزء منه وإهمال أجزائه الأخرى، فحين يكون العالم مجتمعا واحدا ينتمي إليه الجميع، يختفي منه تقسيم العالم إلى مناطق ناعمة سعيدة، وأخرى بائسة شقية، ويضحي العدل بين أجزائه هو السائد. ولتحقيق هذه الدعوة النبيلة أعلنت بعض المنظمات عالمية انتمائها وأنها لا تحصر انتماءها إلى مجتمع بعينه، وأن خدماتها مقدمة للعالم كله بلا تفريق، وذلك مثل منظمة (السلام الأخضر) التي تسعى إلى مكافحة ما يحدث من تلوث بيئي في مختلف أنحاء العالم، سواء بسبب إحراق الوقود أو دخان المصانع أو بالتجارب النووية أو بدفن النفايات النووية السامة في بعض بيئات الدول المستضعفة. ومثل منظمة (أطباء بلا حدود) التي تهدف إلى مكافحة الأمراض والأوبئة في العالم كله، أو مثل منظمة (نساء بلا حدود) التي ترمي إلى دعم وتمكين النساء في العالم من أجل مواجهة ما يتعرضن له من استغلال وانتهاك للحقوق. ومثل منظمة (مراسلون بلا حدود) التي تجعل من العالم بقعة إخبارية واحدة، فلا تغيب الشمس عن جزء من أجزائه أو غيرها. لكن هذه الجهود النبيلة القائمة على أيدي المدنيين سرعان ما تضطرب وتنهار أمام صراعات السياسيين وأطماعهم. فإلغاءالحدود بين المجتمعات يعني أن تشرك المجتمعات الغنية المجتمعات الفقيرة في ثرواتها، وأن تحمل المجتمعات المتقدمة أعباء المجتمعات المتخلفة، كما يعني فقد المجتمعات الصناعية لأكبر مصدر من مصادر دخلها، المتمثل في ما تستهلكه أسواق المجتمعات المتخلفة، كذلك هو يعني فقد المجتمعات القوية للبيئات المستضعفة التي تخضعها للاستغلال والسلب. لذا تتحول فكرة المجتمع العولمي من مجتمع العدل والمساواة، إلى مجرد مجتمع كبير له رأس، تمثله الدول الصناعية الكبرى وذيل طويل تجره خلفها، تمثله بقية مجتمعات العالم. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة