جرت العادة أن المدير في مستهل تسنمه منصبه يلجأ أو لنقل يعول أكثر ما يعول على الإجراء السمعي (توسل حاسة السمع والإنصات) .. بمعنى أنه يوظف ذهنه ويشحذ سمعه بادئ ذي بدء لتلقي واستيعاب فيض من المعلومات وإن شئنا الدقة وابلا من لغو الكلام ! فتجده جالسا رافعا رجلا وثانيا أخرى مشنفا أذنيه لسماع كل ما يقال ظانا أن هذا المعطى يزيد حصيلته المعلوماتية عن الإدارة ويختزل الكثير من الجهد والوقت استعدادا للانطلاق بضمار الإدارة بمقتضى هذا المخزون إن جاز لنا أن نسميه مخزونا .. قد يكون هذا الأسلوب مفيدا في حال اقتصر حصرا على ما يتعلق باستراتيجية المنظومة وفلسفتها وطرائق تسيير عجلتها أي الميكنة الإنتاجية. لكن ما لا يعرفه هؤلاء المديرون أو ربما عرفوه لا حقا بعد أن انزلقوا في دروبه، أنه على الأرجح (فقء دمل) أي مزيج من الوشاية والإفك والتملق وقدر لا بأس به من النميمة (الحش) والافتراءات مضافا إليها باقة متنوعة من الهرج والمرج، أضف ما شئت من الترهات والسفاسف في جوف هذه السلة. نعم هي (سلة مهملات) إن صحت التسمية. وهكذا يجب أن يتعامل معها المدير عندما يستقبلونه بها عوضا عن أن يلتهم مكوناتها لقيمات سائغة معتقدا أنها وليمة تسمن من الجوع دون أن يدر في خلده أن العسل المداف في الكلام سوف يغدو حامضا وإن بعد حين .. أتوقع السؤال الآتي .. ما الداعي أو الغاية المرجوة من عدم السماع وأخذ فكرة ولو موجزة عن الموظفين .. أوليس الإنصات من سمات ومقومات المدير الناجح ؟ نقول إن إنصات المدير ليس هاهنا مقامه وزمانه ويكون مجديا في حال الشكاوى أو الاقتراحات، وتحديدا بعد أن يتعرف المدير على مرؤوسيه جيدا. عموما دعونا نفترض أن كل ما يقال للمدير الجديد صحيحا ودقيقا. رغم أن ذلك غير وارد بالمطلق لكن نقول على فرض فقد يكون هناك موظفون لم يأخذوا حقهم ومنزلتهم بالمعيار الموضوعي بسبب سوء إدارة المدير من حيث يدري أو لا يدري .. أو قل عدم تفهمه لقدراتهم كما ينبغي. وبموجبه أصبحوا وفق إطار العرف الإداري غير أكفاء أو متسيبين، وجريا على المنعطف فلن يأخذوا فرصتهم مع المدير الجديد .. نكرر هذا على اعتبار سلمنا جدلا بمصداقية ما يقال للمدير الجديد.. لكن الواقع والذي يجب أن نقر به ونعمل بمقتضاه بالتأكيد مختلف تماما فثمة تركة مترسبة من الضغائن والمكائد والتحريضات إن لناحية المدير السابق تجاه بعض مرؤوسيه أو لجهة الموظفين أنفسهم دون الحديث عن أن بعض المديرين وهذا مؤسف جدا وأكاد أربأ بذكره لا يكتفي بما مارسه من تعسف وتعنيف لبعض موظفيه وقت كان متربعا على سدة الإدارة بل تجده لا يتوانى ممعنا بتكريسه حتى وهو ماض بمغادرتها من خلال ما يبثه للمدير الجديد من انطباعات وأقاويل فيها ما فيها من التجني والافتئات. وعلى الضفة الأخرى ومن منطلق المحسوبية والمناطقية البغيضتين يتكالب المدير غير المأسوف عليه مستبسلا لتلميع (جماعته) .. إزاء ما تقدم يصبح من المفيد لا بل من رجاحة التفكير واستقامته أن يصم المدير الجديد أذنيه. فيكفينا أن نعلم أن أي انطباع يأخذه المدير الجديد عن أي موظف سوف يترك ولا محالة أثرا لديه حتى لو اكتشف لاحقا أنه مغلوط ومغاير جملة وتفصيلا.. وفي السياق وتدعيما لهذا التوجه أو لنقل لترسيخه وطبعه، يتعين عليه أي المدير الجديد أن يوضح لمرؤوسيه إن تصريحا أو حتى تلميحا أنه ليس لديه فكرة مسبقة عن أدائهم وسيرتهم العملية، بل ويؤكد لهم بعدم رغبته في التعرف على التقييم السالف بالمجمل .. واستطرادا سيبدأ معهم من نقطة الصفر. وهذا الأسلوب المؤطر بالطمأنينة لا ريب بمثابة حافز نفسي كبير لاستنهاض الهمم والقدرات ومراجعة وتعديل السير الذاتية، وبكلمة أوضح إنهم سوف يعاملون من قبل مديرهم الجديد كما هم عليه راهنا وإن شئنا وفق ما يقدمونه في مقبل الأيام لا كما كانوا عليه أو ربما كما طبع عنهم من قبل المدير السابق أو بعض الزملاء وهذا يؤكد لهم وبشكل يقيني أن المدير الجديد أتى ليصلح حال الإدارة وموظفيها، ويسعى لإزالة العقبات بغية التطوير من دون الالتفات للوراء أو الاتكاء والتعويل على خلفيات ومعطيات سابقة. يبقى القول أن مجرد استشعار الموظف أنه بالإمكان تصحيح الأخطاء وانجلاء الوصمات من المؤكد سيندفع وبقوة لتقويم وضعه وتصويب مسيرته.. وقبل أن نختم أتمنى أن لا يفهم مما تقدم أن جميع المنظومات بهذا السوء واللغو المقيت، بل نحسب هذا التوجه من قبيل الاحتراز والتحوط الاستباقي ولا ضير إن نحن انتهجناه على غرار .. لايكن ظنك إلا سيئا، إن سوء الظن (في هذا الوارد تحديدا) من أقوى الفطن. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة