نشرت مجلة الاقتصادي في عدد 24 أبريل 2010م مقالا لم يحمل اسم كاتبه –وقد يكون يمثل رأي الصحيفة البريطانية- بعنوان «اللغة العربية - تواصل رباني»، وعنوان فرعي «الخوف من نقصان أهمية اللغة العربية». كا يحتوي المقال على رسم كاريكاتوري، يظهر فيه شخصان، أحدهما يقول: هاي (HI) والآخر يقول: وعليكم السلام. المقال يبدأ بالقول: «إن اللغة العربية تموت، وإن ابناءها المخلصين يتخلون عنها وهي لغتهم الأم، إلى الانجليزية والفرنسية، وإنها راكدة في غرف الدراسة والمساجد ودهاليز الحكومات المغبرة». ويستطرد المقال: «مشيرا إلى قياديين في بلدان عربية ذكر بالاسم في المقال تلقيا تعليمهما بلغة غير العربية وفي بلد غير عربي- «يصارعان» قواعد اللغة. والأسوأ من ذلك، أن لا أحد في البلدان العربية يهتم، وأن اللغة العربية لم تعد تحظ بالاحترام من قبل الناس، وأن عدم إجادة اللغة العربية أصبح من الموضة. ويستمر المقال: «ان هذا على الأقل رأي إحدى المجلات التي تصدر باللغة الإنجليزية في مدينة دبين وان هذا يعكس الخوف في العالم العربي حول حالات اللغة في العالم العربي». ويستمر المقال: «اللغة العربية الفصحى، وهي لغة القرآن والنسخة الحديثة المتداولة وهي اللهجات المحلية، تختلفان في صورهما، الشفوية والمكتوبة، فالأخيرة هي اللغة المتداولة اليومية والتي يتكلم بها المجتمع، كما أن اللغة المكتوبة في وسائل الإعلام والمناسبات، لم تعد تطابق اللغة الأم، حيث إنها مع الأسف تحتاج إلى جهد في الإجادة وبذل ساعات طويلة مملة في قراءة الكتب. ويتساءل: هل ستصبح اللغة العربية في يوم من الأيام خارج التداول وغير صالحة حتى للتخاطب؟». ويستطرد المقال: «ان اللغة العربية بالتأكيد تواجه تحدي، وأن الأستاذ الدكتور (كليف هولز)، وهو أستاذ اللغة العربية بجامعة اكسفورد البريطانية، يتفق مع هذا التوجه وهو يقول بأن تعلم اللغة العربية أستاذ اللغة العربية بجامعة اكسفورد البريطانية، يتفق مع هذا التوجه، وهو يقول بأن تعلم اللغة العربية رسميا لا يحظى بالتقدير من قبل الطلاب من منطقة الشرق الأوسط، وأن العديد منهم يرويها –أي اللغة العربية- بصفة متزايدة لا تتفق مع التطور والنجاح في العالم الواقعي، وخاصة في المحيط العالمي. حيث تطغى اللغة الإنجليزية، وأن نقص التمويل في التعليم باللغة العربية من قبل الحكومات العربية، يعني أنها لا تدرس بالطريقة الصحيحة، وأن في دول الخليج نرى الغربيين والآسيويين الذين لا يتحدثون اللغة العربية أكثر بكثير من السكان المحليين الذين يتكلمون اللغة العربية». ويستطرد المقال: «ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن اللغة العربية تموت، حيث إن اللغة العربية مصدر اعتزاز وهوية للعرب وإن العرب فخورون بلغتهم وتاريخهم، وإن كلام الله (القرآن الكريم) نزل باللغة العربية ويقرأ بالطريقة العربية المثالية التي كتب بها، حتى ان المسؤولين من غير العرب يبذلون جهدا في تعلم القرآن وقراءته، إلا أن كاتب المقال يرى أن ما يسمى بلغة (إم إس أ) MSA- قد تكون الطريقة المثلى للتواصل بين العرب من بلدان مختلفة». وفي الفقرة الأخيرة من هذا المقال، يذكر الكاتب «ان شعبية برنامج تلفزيون بدعم من حكومة ابوظبي، والذي يتنافس فيه شعراء في الشعر النبطي، تدل على أن هناك شهية كبيرة للغة العربية بكل الأشكال إلا أنه يرى أنه وفي غياب العالم العربي، بإمكان الناس استخدام اللغة الإنجليزية بطريقة أو بأخرى، وان الكثير من هذه التغيرات على اللغة والاستعارة من اللغات الأخرى لا يمكن تجنبها، وقد يكون هذا التوجه صحيحا أيضا. وان اللغة العربية ستتطور من قواعدها المحددة في الكتاب التعليمي، وستأخذ كلمات جديدة وستتخلص من ما لا يتوافق مع التوجه الحديث. ولكن وحسب ما يشير إليه السيد (هولز) فإن هذا التوجه يمثل تفاعلا حيا، وليس تداخلا أو موتا للغة». انتهت المقالة. فماذا يستفاد من المقال ومؤشراته؟ وما رأي أبناء اللغة العربية وأساتذة اللغة العربية، ومحبيها والغيورين عليها وجهابذتها، وكتابها ومؤلفيها والمعنيين بها ومن يهمهم شأنها؟ أليس حريا بهم بذل الجهد، بل والجهود المتفانية –لدراسة واقع اللغة في هذا العصر ووضعها الراهن في مجالات العلوم والفنون –واقعا وما يجب أن تكون عليه مؤملا- ووضع تصور لما قد تكون عليه اللغة العربية في المستقبل في ضوء تحليل الواقع وتقييم مدى مصداقية الصورة التي يشير إليها المقال وما يماثله مما تحفل به وسائل الإعلام والمنتديات والمؤتمرات، وكيفية معالجة جوانب القصور في حق اللغة العربية وإثراء المعرفة حول مختلف جوانب الموضوع. لا يشك اثنان بأن اللغة العربية باقية ما بقي العرب وما بقي دين الإسلام، فهي لغة العرب وهي لغة القرآن الكريم، وستبقى ما بقي الإسلام (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) آية 9 سورة الحجر، ولكن أين الدارسون والباحثون والمنظرون ودورهم في الذود عنها وعن حياضها. وأيضا لا يشك اثنان في أن واقع اللغة وطرق تدريسها على مختلف المستويات، وتنحيتها عن تدريس العلوم، وخاصة التطبيقية منها وكذا تدريس الطب والهندسة باللغة الانجليزية في معقل دار اللغة العربية وفي حديقتها كما يقال يساهم في إضعافها، ويحتاج إلى إعادة نظر، بل إن هناك ما يشير إلى أن اللغة لم تضعف إلا بضعف المخرجات العلمية والإسهامات المعرفية باللغة العربية، حين خبت المعارف والعلوم بين أبنائها. وأنها لم تكن يوما عقبة في سبيل إثراء المعرفة وتطورها، بل مصدر المعارف والعلوم بمختلف ميادينها في صدر الحضارة الإسلامية وأوجها. ولذلك فإن الاهتمام والعناية بها –كوعاء للمعارف والعلوم- يجب أن لا يقل عن الاهتمام بما يدعو إليه المنظرون في عالم التعليم من الحاجة إلى تطوير التعليم والتركيز على البحث العلمي حتى نكون منبعا للمعارف والعلوم وما تدعون إليه من أهمية إيجاد خطط وبرامج لذلك في بلداننا العربية، والأمل معقود في أن يواكب ذلك الأخذ باللغة العربية –لغة أم- لغة المعارف والعلوم وهي التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي: «وسعت كتاب الله لفظا وغاية، ولن تضيق عن تصفيف أسماء ومخترعات».. سواء في مشارق البلدان العربية أو مغاربها بدلا –أو على الأقل- إلى جانب اللغتين –الإنجليزية في المشرق، والفرنسية في المغرب – والتي تعطى الأولوية- حتى في مجاذبة الحديث، وحتى بين العامة. * عضو مجلس الشورى، عضو لجنة الشؤون الصحية والبيئة : [email protected]