أما الجانب الثاني الذي له حظ من النظر في موضوع مهنة المحاماة للمرأة؛ فهو بيان مدى حاجة المجتمع لمحامية، وبالأخص النساء اللواتي لهن حاجة لمراجعة الدوائر التي تقتضي خبرة وتأهيلا ومرجعية نظامية، وخبرة عملية. هل تحتاج المرأة فعلا من ينوب عنها في هذه الدوائر، وهل الأجدر بمثل هذه المهام، إن لم تتولها المرأة بنفسها، أو أن يتولاها رجل عنها، أم الأفضل أن تكون امرأة عن امرأة ؟ وقد أبدى لي أحد الزملاء المحامين، رأيه في الموضوع بقوله: إن حاجة المرأة للعمل في المحاماة أكثر من حاجة المحاماة للمرأة.. وعند النظر إلى مبررات المطالبة بالسماح بالمحاماة كمهنة للنساء، نجد أن أعلى تلك الرايات ارتفاعا هي تلك التي تزعم أن كثيرا من النساء لا يستطعن البوح بمعاناتهن إلا أمام بنات جنسهن، وأن ذلك من باب أنه لن يشعر بالظلم الواقع على المرأة إلا امرأة مثلها.. إلخ، وهذه الدعاوى رأينا لها تطبيقا عمليا في المحاكم، التي لم تمنع، ولا يحق لها أن تمنع، يوما المرأة من الحضور كوكيلة، فهناك فعلا من وكلت امرأة أخرى للدفاع عنها، والمطالبة بحقوقها سواء كانت حقوقا زوجية، أو حقوقا في الميراث، أو غير ذلك، وثمة رجل في محكمة جدة وكل امرأة في الدفاع عنه ضد زوجته!! وغيرهم كثير. هل هي قاعدة مطردة! وقد اجتمعت لدينا نتائج لتلك المرافعات خرجت باستفهامات كثيرة من أهمها هل هي قاعدة مطردة أن المرأة لا يفهم معاناتها إلا امرأة مثلها !، وهل إذا أتيحت المحاماة للمرأة كمهنة بتصريح، ستلقى رواجا لدى النساء!! والحال الآن أنها متاحة كممارسة بنظام الوكالة الذي يشترط نظام المحاماة في شأنه ألا تزيد عدد القضايا عن ثلاث (مادة 18... يقبل للترافع عن الغير أي وكيل في قضية واحدة إلى ثلاث، فإن باشر الوكيل ثلاث قضايا عن ثلاثة أشخاص متعددين لا تقبل وكالته عن غيرهم... إلخ)، ومع ذلك نرى أن النساء يلجأن غالبا إلى المحامين الرجال، فهل هي أزمة ثقة في بنات جنسهن أم هي قناعة بأن المهنة شاقة ولا يصبر على شدتها إلا أولو العزم من الرجال، هذه جملة أسئلة تنتظر الأخوات المستشرفات للمهنة، الظانات أن مجرد حصولهن على التصريح النظامي كاف في رواج المهنة وفتح سوق العمل أمامهن على مصراعيه، وهو ما سنستعرضه في المقال الآتي بإذن الله. * القاضي في المحكمة العامة جدة [email protected]