نشعر أن من واجبنا أن نشكر الله سبحانه وتعالى الذي وفق هذا الملك الإنسان وأجرى على يديه كل هذه الخيرات، ووفقه لاتخاذ مواقف عالمية ترفع الرأس وقرارات وطنية تتصل بحياة المواطنين على اختلاف أعمارهم، فلم يفرق بين حق الرجل والمرأة، ولا الفقير والغني، وإنما جعلهم أصحاب حقوق على هذا الوطن، وأن للوطن حقا عليهم، ومضت سنوات خمس هي سنوات بيضاء، انفق فيها الملك، وأمر بالإنفاق، وساهم بصورة إنسانية في تلمس مواطن التنمية الحقيقية، ووجه الإنفاق إليها، فبدأ بالتعليم ووجه بأهمية تطوير التعليم، ثم اعتنى بالجامعات وركز على إنشاء عدد من الجامعات، حتى بلغ مجموع جامعاتنا 20 جامعة، ولكن الأهم أنه وجههم بكل صراحة إلى أن يخرجوا للوطن مواطنا قادرا ومؤهلا للعمل. ثم وجه من خلال مجلس الوزراء ومجلس الشورى إلى العناية بتغيير المخطط التعليمي لنتجه نحو كليات ومعاهد التقنية التي بدأت تؤتي ثمارها وأتاح الفرصة للقطاع الخاص للمساهمة في هذه القضية الوطنية الملحة، والاستفادة منها وتحقيق أرباح في وقت يخدم فيه هذا الوطن. ثم شاء الله أن يجري على يديه قضايا مهمة في توفير مصادر المياه لكل المواطنين، والعناية بهذه القضية والوقوف عليها، وظل عبد الله الإنسان عند حدوث الكوارث ينتقل من ذلك الأب الرحيم والرجل اللطيف المعشر سهل التعامل إلى إنسان صارم، لا يقبل بالظلم ويرفض الفساد الذي قاد إلى الكوارث في مناطق المملكة، وأمر القضاء بقول كلمته في كل من ظلم وأجرم في حق الوطن والمواطنين. ومضت هذه السنوات البيضاء منذ أن تولى الزمام، وحتى قبل أن يبايع ملكا تحمل المسؤولية، وحمل الراية، ووقف موقف الرجال الذين يعرفون أبعاد المسؤولية. ورأينا كيف توزع هذا الخير على أنحاء الوطن، ثم كيف رفع رأسنا جميعا بتلك المواقف السياسية والإنسانية العالمية حتى شهد له العالم قبل أن نشهد نحن، ونادى بصوت واضح بأن الأمانة تقتضي علينا أن نعطي كل ذي حق حقه، وأن نعطي الإنسانة السعودية حقها الذي أعطاه الله لها وفق الشريعة السمحة وأن من حقها أن تكسب رزقها بعرق جبينها، وأن تعمل وتخدم هذا الوطن وتساهم في بنائه وفق تلك الضوابط التي ارتضيناها جميعا، ونادى بفقه جديد يستوعب دخول المرأة في إطار التنمية بصورة فعالة؛ لأنهن كما علمنا الشارع الحنيف شقائق الرجال، ورفض الملك عبد الله تعطيل نصف المجتمع. هذه السنوات البيضاء نراها وقد التفت الملك فيها إلى موضوع الحرمين وأدرك عظيم المسؤولية عليه كخادم الحرمين الشريفين وعلى حكومته، بل على كل مواطن، تجاه خدمة الحجاج والمعتمرين، وكل من يقصد هذا البيت الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بكل تلك التوسعات التي هي نوع من الخيال في السابق، وأصبحت حقيقة، ثم أمر برفع العناء عن الناس الذين يفدون إلى الحرم النبوي الشريف في أوقات متأخرة، وأن لا يقفل في وجوههم، وأمر بفتح أبواب الحرم والسماح للناس من الرجال والنساء بالدخول إلى المسجد النبوي الشريف للصلاة فيه والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أي وقت. ثم لم يكتف بذلك بل رأيناه يأمر بفتح قنوات نقلت تلك الصور العظيمة للحرمين الشريفين إلى العالم أجمع، وربطت الناس بالحرمين وشكرت له ولحكومته هذا العمل الصالح، ورأينا كيف عمت الفرحة كل قادم أو كل مشاهد لهذا العمل الطيب الصالح. وهناك لفتات إنسانية تدل على حقيقة هذه السنوات البيضاء، يوم يقوم الملك بزيارة المستشفى ليطمئن على توائم ويجبر خواطرهم، وهو غير مكلف بذلك، ولكنها لفتة إنسانية أكرمه الله بها، وأدخل السرور على قلوب هؤلاء الفقراء بالعطف عليهم وعلى أسرهم، وسجل له التاريخ ذلك. والتفت إلى قضايا قد يراها الناس عابرة، ووقف موقفا صارما فيها وألغى أحكاما بالطلاق من نساء تزوجن على سنة الله ورسوله وأنجبن أطفالا وتم الزواج بولاية آبائهن، فرفض رفضا قاطعا أن تمزق العائلة، ولعل الناس تذكر موقفه من فتاة القطيف وما لقيته من بلاء وعناء فوقف إلى جانبها وأمر بإطلاق سراحها. والتفت لأولئك الأطفال الذين أصبحوا ضحية تصرف آباء ذهبوا إلى بلاد عربية وتزوجوا، ثم هربوا وتركوا الزوجات والأطفال، ورأيناهم ينامون في المقابر لفقرهم فعطف عليهم وأمر بصرف مكافآت لهم تعينهم على الحياة هم وأمهاتهم، وطلب دراسة كيفية أعطائهم حق الجنسية لأنهم ضحية ظلم آبائهم. هذا هو عبد الله الإنسان، وفي غمرة كل هذا يذهب الملك لتكريم العلماء والأدباء ورجال الفكر ويزورهم ويدعوهم إلى مرابع التكريم في الجنادرية، وغدا في سوق عكاظ، ويعلن من خلال وزير إعلامه أننا نرحب بالفكر والنقد الهادف البناء، وأكرمهم وجعل ذلك اللقاء لقاء تاريخيا وفكريا وثقافيا شهد له القريب والبعيد. ولم يقف عبد الله عند هذا، بل رأيناها سنوات بيضاء يقدم فيها العون من بلاد الحرمين وبأمره، إلى منكوبي الزلازل والبراكين في مناطق العالم، ولم يفرق في عطائه، وأوصى بمساعدة حتى تلك الدول الفقيرة التي تضم غير المسلمين، وأن لهم حقا علينا، ورأينا هذا الملك الشهم كيف تصرف وكانت غضبة لما أصاب الأشقاء في غزة وفلسطين عامة، غضبة لهم وألم لما أصابهم، وغضبة عليهم وعتاب لتشتت كلمتهم وتفرق كلمتهم حتى أصبحوا لقمة سائغة لعدوهم الظالم. وختاما، فلا نستطيع في مثل هذه العجالات أن نحصي كل مواقف هذا الملك الإنسان، ولكننا نقول: اللهم أعنه وزد في توفيقه واحمه وارزقه البطانة الصادقة التي تعينه على إكمال هذا المشوار الإنساني. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.