عانى الفكر الإسلامي منذ وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وبعد الخلافة الراشدة إثر ظهور الفرق الإسلامية المعتدلة والباطنة، من تطرفين عقدي وسلوكي. ففي عهد الفرق الإسلامية كان التطرف يطال الجانب العقدي بحجة الدفاع عن العقيدة ضد الأفكار اليهودية الجانحة والعقائد المشتتة. بيد أننا قد لانسقط تأثير بعض الفرق رغم تطرفها، إذ استطاعت الرد على كل رصيفاتها الباطنة، إلا أنها عملت نوعا من الركون وصرفية استخدام العقل. الأمر الذي أهلها أن تصبح الأم الشرعية لضرب الفكر الفلسفي الإسلامي، وتمهيد السبيل إلى ظهور العديد من الفرق المعتدلة، ثم ظهور الفرق الباطنة التي قادت الأمة الإسلامية إلى مناحي التفتت والحروب. وخطر الفرق الباطنة يظهر في أنها تدعي المبادئ والعقيدة الإسلامية، وحقيقتها تتبدى في الانحياز الظاهري للإسلام مستبطنة أفكارا هدامة تبلغ حد الجنوح المسترسل، وتتماهى إلى حد بعيد والآراء الاستشراقية الخطرة، المستقاة من منحى ما أتى ضمن تقرير وزير المستعمرات البريطاني الموجه لرئيس حكومته في 9 يناير 1938 : «إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية، هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية البريطانية أن تجتثه وتحاربه. وليس الإمبراطورية وحدها، بل فرنسا أيضا. ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة العثمانية وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة».. وهنا، تحول التطرف عند الفرق الباطنة إلى سلوك يسعى إلى الفتك بالمسلمين واستعدائهم بالدخول معهم في حروب. وفي الراهن، ظهر تنظيم القاعدة وبعض تلك المجموعات المتطرفة، وأصبح كل العالم يرزح تحت وطأة جرائم تلبس زورا عباءة الإسلام، ليتجسد واقع مظاهر التطرف السلوكي.. إن الإسلام لم ينتشر بحد السيف، بل بالحكمة والموعظة الحسنة. وإن كان العقل المغلق سمة كثير من المذاهب والتيارات، يبقى هو المسؤول الأول، بعد المصالح الاقتصادية، عن الصراع الحضاري. بل هو منشأ الحروب العقائدية التي لا تزال تشتعل بين الحين والآخر، حتى لو كانت تتخفى وراء شعارات أخرى. وكمستنتج، فإن العودة إلى الموقف القرآني السمح تجاه الحضارات والأديان والتنوع الإنساني، بات يفرض ذاته على نحو ملح، ممايقتضي تصدي حكماء مسلمين حقيقيين، يضعون الأمور على نصابها، لا يتطرفون في العقيدة ولا السلوك.. ومهما كان ميراث تنظيم القاعدة وبعض الجماعات المتطرفة، فإن الغرب ليس هو العدو الوحيد للإسلام. ففيه أبرياء حرم الإسلام دماءهم، مما أدى إلى إساءة الفهم لهذا الدين وقيمه الفاضلة. وما فعلته تلك السفن لفك حصار غزة، يشي بصدق النوايا لدى البعض من أبناء الغرب. وعلينا أن نعمل سويا على تغييب العنف، ومن ناحيتنا نبذ التطرف العقدي والسلوكي لنصبح قدوة لذواتنا الجمعية أولا، ثم حالة نبراسية لغيرنا بالعمل على نشر ثقافة التعايش، فضلا عن توحيد صفوفنا وكلمتنا بغية الحفاظ على وجودنا كأمة ذات كيان مستقل معبر عن وجودها، متفاعلين في الحياة ومن أجل الحياة، محققين هدف وجود الإنسان في الأرض، بتلك السنة الكونية حيث جعله الله فيها خليفة في الأرض. [email protected]