في الوطن أخذني الشيخ عادل الكلباني في حديثه بإجازة الغناء بنية الترويح عن النفس وتداعى خاطري إلى ما ذكرته عكاظ 15948 عن الفنانة صالحة مدني والشهيرة باسم بلطجية وهي تتحدث عن حالتها التي وصلت إليها بعد أن شنفت أسماع مكة وجبالها ووديانها بألحان عذبة شجية زفت فيها بنات ورجال أسر وعوائل لا زال بعضها ينعم بحياة هانئة سعيدة وذرية صالحة كريمة، ستون عاما من عمر الزمن وهي تزرع المحبة وترسم البسمة وتملأ الليالي أنسا وطيبا حتى إذا بلغت التسعين وقف بها الزمن حبيسة جدار بيتها بين الحجون وغيلمة، لا أنيس يخفف عنها سوى وحدتها ومرضها وعجزها وذكرى الأيام الخوالي تجترها لوحدها تخلى عنها الجميع وتنكروا لجميل صنعها معهم يوم كانت تشهد الزمن على أقدس رباط يجمع بين الأحبة في ليالي أعمارهم. مهنتها لها أصل في دين السماحة والمحبة عندما سأل رسول الله (عليه الصلاة والسلام) السيدة عائشة أن تبعث إلى الأنصار في فرحهم من يغني ويطرب لهم مؤكداً أن الأنصار يعجبهم اللهو ويحبون الغزل. ويروي النسائي أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقال يا عائشة أتعرفين هذه قالت لا يا نبي الله قال قينة بن فلان تحبين أن تغنيك؟ فغنتها مرخصا عليه الصلاة والسلام الغناء في العرس والبكاء على الميت من غير مناحة، ابن أبي شيبة 7/19 والنسائي 6/135 والحاكم 2/184. ويروي عامر بن سعد أنه دخل على قرطبة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين، وفي يوم الهجرة المباركة يزجر أبا بكر الجواري عن الغناء فيقول له الرسول (دعهم يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) وفي يوم النحر جاريتان تغني ورسول الله متغش بثوبه ويدخل أبو بكر ويستنكر ما رأى ويزجرهما تقول عائشة ويرفع رسول الهدى رأسه ويقول دعهما فإن اليوم عيدنا. ولابن حزم رأيه الفقهي فقد رد كل الأحاديث التي وردت في تحريم الغناء في كتابه المحلى وأتى بتسعة عشر دليلا يؤكد على عدم حرمانية الغناء بل وإباحته ج9/55-64 وأن أحاديثه كلها باطلة أو موضوعة وقد اختلف المفسرون في لهو الحديث فالطحان قال إنها الشرك والسعدي قال إنها الأحاديث الملهية للقلوب والطبري قال إنها أخبار فارس والروم. فلماذا نأخذ بتفسير ابن مسعود ونقول إنها نزلت في الغناء ونهمل باقي التفاسير، فالنفس كما يقول الشيخ الكلباني جبلت على حب سماع الصوت الحسن وهو أمر لا يختلف عليه اثنان فالسماع فن يتخذ منه الإنسان سبيلا للترويح عن النفس وعونا على تجديد النشاط وحيوية القلب بعيداً عن السمع الذي ينحط عن مرتبة الفن الجميل إلى مخازي الفسق والمجون فهذا مما يمجه السمع وتأباه النفس ويدخل فيه التحريم متفقين على أن الغناء كفن حسنه حسن مباح ومقبول وقبيحه مستنكر ومرفوض. يقول القرضاوي (الحلال والحرام في الإسلام ص 273) ومن اللهو الذي تستريح له النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان الغناء وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم ولا بأس أن تصحبه موسيقى غير مثيرة. مؤيدا ابن حزم في أن كل أحاديث الغناء مثخنة بالجراج عند علماء الحديث. وللإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين فصل موسع في السماع وأحكامه، يروى عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر ببعض أزقة المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفوفهن ويتغنين فيقول رسول الله لهن الله يعلم إني لأحبكن وزاد أبو نعيم في الحلية 3/120 أنه قال اللهم بارك فيهن، ابن ماجة 1/612 والطبراني 1/33، والهيثمي مجمع الزوائد 4/289، وابن أبي شيبة 7/19. وفي مجتمعنا تكثر الأفراح والمناسبات ومن ضمنها حفلات الطلاق التي تقيمها بعض المفتونات بالغرب وطباعه وفي كل المناسبات يصر الجميع على إحيائها بإحضار (لعابة) أي مغنية معتبرين أنها من الضروريات لا يتم الزواج إلا بها وأنه من العيب الاجتماعي إهمال هذا الركن أو تجاهله، ويكتب على كرت الدعوة اسم الفنانة التي ستحيي المناسبة زيادة في الأبهة الاجتماعية، وفي مدينة جدة وحدها هناك أكثر من خمسمائة مطربة من مختلف الجنسيات أكثر مما كان في شارع محمد علي أيام زمان تتراوح أسعارهن ما بين خمسة آلاف ريال إلى خمسين ألف ريال من شتى الجنسيات المختلفة ولكل واحدة منهن طريقتها الخاصة في إحياء المناسبة، فمنهن التي تجيد الغناء باللغة المصرية وأخرى بالسورية وثالثة بالبدوية ورابعة باللهجة المحلية هذا غير الفرق الشعبية التي تقدم أغانيها مصحوبة بعروض تؤديها مجموعة من الفنانات في ما يشبه الفيديو كليب، حتى الأثيوبيات كون فرقة تدعى البرتقالة للأفراح ولكل سعر خاص يزيد أو ينقص حسب مكانة المطربة وسعرها في السوق فلماذا ننكر على هذه الفئة تجارتهم ونتجاهلهم وهم يقومون بإظهار الفرح والسرور في مواطنه لا تكاد يخلو منهم مناسبة. ولا زال الحبل على الجرار فكل يوم مغنية تظهر حتى بعض المدرسات امتهن الغناء لتحسين دخلهن إضافة إلى بعض الجامعيات اللائي يئسن من وجود وظيفة بعد أن سدت في وجوههن بدعوى الاختلاط والالتزام والقرار في البيت، وللمنافسة أصبحت كل جديدة تظهر في سوق الغناء تحيط نفسها بهالة كبيرة وأبهة عظيمة وتبدأ عملية فرض السعر وطلبات الموجب والذي يتكون من عطور ولبان وهيل وسكر نبات وقرنفل وقماش، ونحن ندفع عن طبيب خاطر والسؤال الذي يطرح نفسه، أين جمعية الثقافة والفنون من هذه الفئة لماذا لا يعطى لكل مطرب ومطربة بطاقة تعريف وتصنيف يتم بموجبه تحديد أسعارهم حسب تصنيفهم الفني وذلك مقابل نسبة مادية شهرية تدفع من قبلهم مع نسبة تدفع من قبل الدولة فهم يمارسون مهنة ولكل مهنة آدابها وسلوكياتها وتنظيمها وقوانينها ولوائحها وهذا يترتب عليه أمور أخرى خاصة في نظام العمل والعمال ونظام التأمين الصحي والسعودة والسماح من قبل الدولة بتأمين جمعيات لكل مهنة تضم أكثر من مائة نفس ويتم ضمهم إلى نظام التأمينات الاجتماعية ليجدوا في نهاية المطاف راتبا شهريا ينفقون منه في عجزهم بدلا من الاستجداء وسؤال الناس كما حدث مع صالحة مدني وعبدالله محمد وطاهر كتلوج وفوزي محسون وغيرهم، جدت أمور وتغيرت أحوال ولابد من ضبطها ومراقبتها وإعادة تقييم لأحوالنا وطرق معاشنا غير بلطجية هناك كرامة وكاكا وتوحة وسوني أحمد وزبيدة وغيرهن شهدن أفراحنا وشاركننا ليلة العمر، طواهن النسيان وأهملتهن يد الزمان أقعدهن المرض وسوء الحال وضيقن من الغريب كما حدث مع باقي المهن الأخرى في لقمة العيش وما ينطبق على الفنانات ينطبق أيضا على الفنانين الذين وافاهم الأجل وهم على فراش المرض يستجدون الناس علاجهم وما يسد حاجتهم، فهم جزء من المجتمع أعطونا في شبابهم الفرحة فلابد أن نجازيهم في عجزهم ما يسترهم عن عيون الفقر والمرض والحاجة وهذا من دين الرحمة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة