ذات يوم اصطحبني أحد الأصدقاء في مشوار بسيارته الخاصة، وصديقي هذا يصف نفسه برجاحة العقل، ولربما أوصله هذا الرجحان إلى ابتداع أفكار غريبة وعجيبة. أخذ صديقي يقود السيارة وفق ما يعتقد أنه مهارة فائقة، حيث جمع بين المحادثة بالجوال وشرب المرطبات وأكل المكسرات ومسك المقود وتبديل النمر، بعد هذه المهام المتداخلة قام هذا الماهر بفتح النافذة لرمي العلب الفارغة، حاولت منعه لكني لم أستطع، فقد ذهبت تلك العلب تسابق الريح، ومن حسن الحظ أنها لم تقع على أحد المارة أو السيارات. التفت إليه مستاء لفعله هذا وقمت بزجره وتأنيبه، متسائلا عن صنيعه هذا وعن عدم تأثره بما يذاع من برامج توعية تبث للرقي بالفكر والذوق، لعل من أبرزها البرنامج الشهير خواطر لأحمد الشقيري، غير أن صاحبي جاء بما لم يخطر ببال، فقد قال لي بأنه يعتبر عمله هذا عملا إنسانيا. دهشت لصنيعه هذا قائلا: إنساني، قال: نعم إنساني، اسألني كيف ذلك، سألته فقال: إن ما تراه من علب طائرة وكراتين متدحرجة وخلافها من المخلفات ما هي إلا باب رزق لهؤلاء العمال القائمين على إزالتها وتنظيف الشوارع منها، فقد فتحوا بسببها بيوتا وأعالوا أسرا، أتريدني أن أقطع هذا الرزق، كلا وألف كلا، ثم لك أن تتخيل ما الذي سيحدث لو أحجم الجميع عن رمي تلك المخلفات، فستغلق تلك البيوت وسيتشرد الأطفال وتطلق النساء ويزيد معدل الجريمة فتمتلئ السجون. صدعني بتلك الكلمات، قلت له: بيدي قنينة ماء فارغة فما ترى؟ قال: وهل ذلك يحتاج إلى تفكير قم برميها، وساهم معنا في مشروع «على قد ما تقدر ارمِ». القصة انتهت. لكن يا ترى، هل المفاهيم انتكست وانعكست؟ لا أدري، فالواقع يقول ذلك، فنرى أن المسميات الجميلة تطلق على القبيح، فبحيرة المسك خير شاهد على هذا، وكذلك مسمى النعيم ودار الأبرار نعتت بها شركات لرمي المخلفات، وشتان ما بين الاسم والمسمى، فالاسم للجنة والمسمى لمخلفات البناء.. فهل عجز القاموس اللغوي عن تسمية الأشياء بأسمائها. سعود عوض البدراني المدينة المنورة