دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين إلى الرفق واللين والحلم، والابتعاد عن العنف والقسوة وما يصاحبها من جفاء اللسان والقلب. وقال في خطبة الجمعة في المسجد الحرام: «إنه من أبصر عيوب نفسه سلم من تتبع مساوئ الناس، ومن ظن بمسلم فتنة فهو المفتون، وإذا كان العلم خير ميراث فإن حسن الخلق خير قرين»، مشيرا إلى أن حسن الخلق لا يتم إحكامه إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة. وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن مكارم الأخلاق هي صفة ضابطة لحسن السلوك، حاكمة للتصرفات، وهو خلق يقول فيه نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، ألا وهو الرفق. فالرفق تحكم في هوى النفس ورغباتها وحملها على الصبر والتحمل والتجمل، والكف عن العنف والتعجل، والابتعاد عما يلقاه المرء من تطاول في قول أو فعل أو تعامل، وقال: «الرفق هو أخذ للأمور بأحسن وجوهها وأيسر مسالكها، وهو رأس الحكمة ودليل كمال العقل وقوه الشخصية والقدرة القادرة على ضبط التصرفات والإرادات واعتدال النظر، وهو مظهر عجيب من مظاهر الرشد بل هو ثمرة كبرى من ثمار التدين الصحيح». ولفت الدكتور صالح بن حميد إلى أن الرفق هو لين الجانب ولطافة الفعل والأخذ بالأيسر والأسهل، وفيه سلامة العرض وصفاء الصدر وراحة البدن واستجلاب الفوائد وجميل العوائد ووسيلة التواصل والتواد، كما أن الرفق يلين عناد المعاندين ويقهر عريكة ذوي الطغيان، وهو منهج نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، منحه ذلك ربه وامتن به عليه، وهو عليه أفضل الصلاة والسلام المثل الأعلى و الأسوة الأولى في أفعاله وأقواله ومعاملاته رقة وحبا وعطفا ورفقا. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: «الرفق هو سلوك كريم في القول والعمل، وتوسط في المواقف، واعتدال وتوافق واختيار للأسهل والألطف. وليس للرفق حدود تقيده ولا مجال يحصره، بل هو مطلوب في كل الشؤون والأحوال وفي الحياة كلها وفي شأن المسلم كله، ومن أعظم صور الرفق؛ الرفق بالأهل و الأسرة من الآباء والأمهات والأطفال والزوجات». وخاطب ابن حميد الأبناء قائلا: أيها الأبناء أرفقوا بآبائكم وأمهاتكم، فأحسنوا الصحبة ولينوا في المعاملة واخفضوا لهما جناح الذل من الرحمة. كما خاطب فضيلته الآباء والأمهات قائلا: «أرفقوا بأبنائكم وبناتكم فربكم يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وإذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق فترفقوا بالخدم والعمال ولا تكلفوهم ما لا يطيقون وأحسنوا مخاطبتهم وأعطوهم أجرهم لطيبة أنفسكم في مواعيدها إذا طلبوها». وخاطب ابن حميد المعلمين والدعاة والمسؤولين فقال: «أرفقوا وترفقوا، فالرفق والإحسان أسرع قبولا وأعظم أثرا، فهذا هو المعلم الأول وسيد الدعاة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) حين بال الأعرابي في المسجد وتناوله الناس، فقال لهم الرسول الرفيق (صلى الله عليه وسلم) لا تجرموه دعوه وأهرقوا على بوله سيلا من الماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين». وأكد ابن حميد على أن المسلم يكون على قدر عال من الأخلاق الحسنة والتعامل الرفيق والمسلك الراقي حين يكون متسامحا وحين يتجنب المشاحنة والمشاكسة ويمهل المعسر ويتجاوز عن المسيء، فما أحسن الإيمان لأنه يزينه العلم، وما أحسن العلم لأنه يزينه العمل، وما أحسن العمل لأنه يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم، فمن زرع شجرة الرفق حصد السلامة. من جهة ثانية، أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير في خطبة الجمعة، أن من سعادة المرء أن يكون والداه بين يديه وعينيه يهنأ بهما، ويستدفئ بحنانهما وعطفهما، ويسترشد بنصحهما، وينال بركة دعائهما وأجر برهما وحسن صحبتهما. وقال: «إن المصاب الممرض والبلاء المعرض عقوق البنين والبنات للآباء والأمهات، عقوق لا تنقضي قصصه ومآسيه ولا تنتهي غصصه ومخازيه، كبيرة وجريرة توجب غضب الله وسخطه وعذابه»، موضحا دناءة العاق ومهانته وسفاهته وحماقته، لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما، قابلهما بالجحود والنكران والهجران والنسيان والقطيعة والحرمان؛ حيث استبدل الوفاء بالجفا والصفا بالأذى، إن سئل بخل، وإن عوتب جهل، وإن رجي خيب، وإن طلب تغيب، لا يجيب إلا عنفا ولا يعطي إلا خوفا ولا يعرف إلا سوف، نسي أن أمر الوالدين مطاع وحقهما لا يضاع. وحذر إمام وخطيب المسجد النبوي، حذر العاق الذي ركب مطية العقوق وسار في ركب أهل الفجور والفسوق، فأضجر والديه وأبكاهما وأحزنهما، وأشقاهما وأرقهما، وآذاهما وتركهما يعانيان كرب الأشجان ومرارة الأحزان؛ حذره من سوء العاقبة والمآل، متسائلا كيف يعامل العاق الغافل والديه بالازدراء والإهمال، والاحتقار والإذلال، والتسويف والمطال، وتقديم الزوجة والعيال عليهما والأصحاب والأموال، وقد بلغ مبلغ الرجال، وعلقا عليه بعد الله الآمال، وانتظرا منه البر والإجلال، والعطف والوصال. وأهاب الشيح البدير بالعاق لوالديه أن يندم على ما فرط في حقهما أنينا وزفيرا، وكما رعياه طويلا فليرعهما قصيرا، وأن يكون بهما عطوفا رحيما، ولهما خادما ذليلا، وأن يقول لهما قولا كريما ولفظا جميلا.