سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
معيار العدالة قوة جانب المتهم لا أحكام المجتمع المسبقة تعقيباً على القاضي الرزين «محامو الصف الثاني .. ميثاق الشرف أو الخروج من الباب الخلفي» .. المحامي الجميعي:
سعادة رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» إشارة إلى ما نشر في صحيفتكم في العدد رقم 15970 الصادر في 4/6/1431ه تحت عنوان «يتاجرون بقضايا الرأي العام بحثاً عن المال والشهرة .. محامو الصف الثاني ميثاق الشرف أو الخروج من الباب الخلفي»، نود توضيح التالي: من خلال خبرة طويلة امتدت لحوالي 20 عاما في مهنة المحاماة تعلمت أن لا أثأر لأمر شخصي فالثأر لأمر شخصي يعيدنا إلى جاهلية «ألا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا» والعياذ بالله أن نكون من أولئك، ولكن ما دعاني للرد هو ما تتعرض له مهنة المحاماة والمحامين عموماً من هجوم من كل من أراد أن يظهر عبر وسائل الإعلام دون مناسبة حتى أصبح الخوض في مهنة المحاماة والحديث عنها هو حديث من لا حديث له، وهذا الرد واجب يمليه الضمير المهني للدفاع عن هذه المهنة السامية. بدأ كاتب المقال محل الرد مقاله بأن ذكر أنه قابل المحامين ودار الجدل حول قضية أشغلت الرأي العام فترة من الزمن وفيها مآخذ أرتكبها المتهم الذي ذاع صيته وزملاءه في إحدى وسائل الإعلام ثم ذكر أنه طلب منه أحد المحامين مشورته في قبول التوكل في جزء من القضية رغم أنه درس وضع المتهم وأتضح أن الدليل المادي مفقود (في الواقعة) مما يعني قوة جانب المتهم فأوصاه القاضي بألا يقبل القضية حتى لا يتخلى عن سمعته المهنية والاجتماعية إذ أنه مهما كان وضع المتهم القانوني من البراءة والإدانة فإن الأمر لا يعني شيئاً بالنسبة للمجتمع الذي أصدر حكمه في القضية. وردي هنا أنه بئس محام يسأل غيره في قبول قضية من عدمها فالمتوجب على المحامي قبول ما يعرض عليه متى ما اقتنع بموقف المتهم، والمعيار هنا هو قوة جانب المتهم لا ما يراه المجتمع أو الرأي العام، فلو قبلنا هذا الرأي واحتكمنا إلى المجتمع والرأي العام لألغينا دور القاضي والمحكمة ولألغينا دور المحامي الذي أظهر وجه الحق في كثير من القضايا ظلم المتهمون فيها بسبب إصدار أحكام مسبقة من البعض قبل إعطاء المتهمين حق الدفاع، وفي المقابل ضاع قاض نسي دوره المتمثل في إصدار الأحكام والفصل في القضايا وتفرغ لتوجيه المحامين فيما يقبلونه أو يرفضونه من قضايا، فالقضاء دار إصدار أحكام وفصل في المنازعات وليست دار فتوى فأين ذهب مبدأ استقلالية القضاء وحياد القاضي إن تفرغ لإبداء رأيه في القضايا قبل أن تحال إليه. ثم خرج علينا كاتب المقال بفتح جديد كنا نسمعه في مواضع بعيدة عنا من أشخاص لا نقبلهم يقسمون الناس إلى فسطاطين في تكريس لمبادئ الإقصاء وعدم قبول الآخر بإما أن تكون معي أو أن تكون ضدي فظهر وكأنه مؤمن بمبدأ التقسيمات والتصنيفات مستنسخاً فكرة الفسطاطين وأنزلها على المحامين فقسمهم إلى فسطاطين أو فريقين أو مستويين كما ذكر أولهما معه يشيد به ويكيل له المدائح وسرد الاشتراطات اللازمة على المحامي للدخول في هذا الفسطاط وكانت ثلاثة شروط: الأول: من لا يقبل الأتعاب الباهظة من المحامين وكأنه يرى أن مهنة المحاماة لا تستحق في مقابل عمل المحامي إلا أتعابا زهيدة. الثاني: أن يتخلى عن القضية بعد استلامها وبئس محام تخلى عن موكله في نصف الطريق بعد أن أمنه على نفسه وعلى قضيته فمن درس قضية واقتنع بها وترافع بها خان موكله إن تخلى عنه في نصف الطريق وإن تبين للمحامي خطأ موكله في نصف الطريق فوجوده مع موكله يكون لضمان حسن سير العدالة ولضمان معاملة موكله معاملة إنسانية وحصوله على حقوقه كإنسان بغض النظر عما سيفضي إليه الحكم في القضية فالمطلوب من المحامي بذل عناية وليس تحقيق نتيجة، فالأحكام يصدرها القاضي لا المحامي ولكن في وجود المحامي ضمان لحسن سير العدالة وإلا لما شجع ولاة الأمر المحامين للترافع عن الإرهابيين القتلة فترافع المحامي عن إرهابي مذنب ليس لتبرئة هذا المذنب وإنما لضمان حسن سير العدالة وحسن معاملة هذا المذنب كإنسان له حقوق يكفلها له الشرع والنظام. الثالث: الذي ذكره كاتب المقال من عاد وفضح موكله على رؤوس الأشهاد وكأن هذا الشرط يتطلب الوشاية بالموكل وفي ترويج مثل هذه الثقافة ما يخالف آداب وشروط وميثاق مهنة المحاماة وفقاً لمبادئ الحفاظ على سرية المعلومات التي يصل إليها المحامي نتيجة ثقة موكله فيه. هذه الشروط الثلاثة كانت هي الاشتراطات التي حددها كاتب المقال في مقاله للوصول إلى الفسطاط الأول أو فريق من هو معهم من المحامين الذي يرى أنهم فريق المستوى الأول التي أعتقد جازماً أنه لا يوجد محام على وجه الأرض يقبل بهذه الشروط أو يقبل على نفسه أن يوصم بأحد هذه الشروط بينما يرى القاضي أن من يتصف بها هم الفريق الأول أو المستوى الأول كما ذكر. وبمفهوم المخالفة فإن من لا تنطبق عليه هذه الشروط الثلاثة من بقية إخوانه عباد الله المحامين هم في نظر كاتب المقال الفسطاط الثاني أو المستوى الثاني الذي حدد أنه لا يوجد في تصنيفه الذي أتى به إلا فريقان فقط، إما فريق له ثلاثة شروط وهم فريق المستوى الأول وإما فريق ثان أو مستوى ثان بينهم وبين الفريق الأول أبعد مما بين الثرى والثريا، لأنه حسب تصنيفه لا يرى إلا صنفين أبيض أو أسود محق أو مبطل. ثم وصف بقية المحامين ممن لا يقبلون بشروطه الثلاثة بأنهم «قوم وجدوا مهنة المحاماة مهنة من لا مهنة له فاتخذوها لعبة وانتهازا لحاجة المجتمع وأكل لأموال الناس بالباطل لا يتورعون عن الكذب والافتراء ولا يترفعون عن أي خسيسة من قول أو فعل أشباه يتسنمون كل قرم ويتسابقون لقمة كل هرم لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً» إلى آخر ما سطره بقلمه وكأنه يخندق جل المحامين في هذا السرداب المعتم المظلم بوصفهم بكل تلك الأوصاف لمن لا تنطبق عليه شروطه الثلاثة متهماً عباد الله من إخوانه المحامين بهذه التهم وحاكماً عليهم بأنهم في فريق المستوى الثاني دون أن يقدم لنا دليلا واحداً مصدراً حكمه في غيابهم دون أن يمنحهم حق الدفاع. كنت أتمنى أن لا يخرج علينا كاتب المقال بمثل هذا الفكر الذي قسم المحامين إلى فسطاطين هداه الله وإيانا إلى سواء السبيل، فإقصاء الآخر وعدم قبوله أمر عفا عليه الزمن وأصبح القانون والنظام هو الفيصل بين الناس وليس التزكية حين أشار إلى أن من حصل على ترخيص محاماة بقوة النظام ليس كمن يحصل على الترخيص بالتزكية، وكأنه يريد أن يعيدنا إلى زمن سابق كان المحامي الشرعي يحصل على رخصته من خلال التزكيات وكأن المراد من ذلك أن تقتصر المهنة على فئة معينة خاصة من المجتمع لا يستطيع المحامي الناجح أن يصل إليها إلا من خلال التزكيات، وكأني به يطالب بإلغاء نظام المحاماة الصادر حديثاً والعودة بنا إلى زمن كانت فيه التزكيات مسوغا للحصول على ترخيص مهنة المحاماة.(«عكاظ» 4/6/1431ه) القاضي حمد الرزين المحامي سليمان الجميعي