جعل الله تبارك وتعالى الرسالة إلى الخلايق على امتداد العصور والدهور واختلاف الأزمنة والظروف عبر الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد زودهم بالوحي المسطر والقانون المنظم والذي اشتمل في ثناياه منهجا متكاملا للحياة البشرية بكل ما فيها من الأعباء والمتغيرات والمستجدات وضمت هذه التشريعات وسائل متعددة وطرقا مختلفة لكيفية التعايش والتساكن والتعامل بين البشر مسلمهم وكافرهم قصد من أهدافها تحقيق الرسالة العمرانية والخلافة الأرضية والعيش في سلم وسلام. ولاشك أن من أولويات تحقيق المناط هو شرعنة الحوار باعتباره من أهم الوسائل إلى لغة التفاهم وقد أثرى الوحي مصادر التشريع الإسلامي هذا الأمر جعل الرعاية والاهتمام ومن مناظير مختلفة الأبعاد العقدية، الثقافية، القانونية، السياسية، الحضارية، الأخلاقية، والقضائية. وتفعيلا لهذا العطاء الرباني الإسلامي وعملا بمقتضى القاعدة الفقهية بأن ما لا يتم الواجب إلا به كان واجبا، نظمت وزارة التعليم العالي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين والرئيس الفرنسي ساركوزي لقاء الندوة السعودية الفرنسية لحوار الحضارات بالشراكة مع جامعة السوربون في باريس بمشاركة عدد من الأكاديميين والباحثين من السعوديين والفرنسيين في مقر جامعة السوربون بمشاركة وإشراف وحضور معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وقد انطلقت هذه التظاهرة الحوارية في العاصمة الفرنسية لتضفي طابعا توضيحيا عند الآخرين حول أهمية الحوار في الشريعة الإسلامية وأنه يشكل قيمة عظيمة وغاية مثلى جاء بها الإسلام متمثلا في ألوان متنوعة من الخطابات التكليفية العامة والخاصة بغيتها المزيد من الوشائج والإخاء الإنساني بين البشرية الذين اشتركوا في أصول عقدية أفرزت الترابط والتعاون وتبادل المنافع والخير وتحقيق المحبة والصالح العام للأمة. ولما كانت الاختلافات أمورا طبيعية بين عقول البشر أوجبت الشرائع سبلا للتقريب والمناقشة والحوار بالتي هي أحسن وقد أدرك علماء المسلمين هذا الأمر حيث نقل عن الإمام النجم الطوعي قوله (أن العامة بل الصبيان تقع بينهم المناظرات والحوارات على القانون من إيراد الاستفساد). لهذا فإن الشريعة المحمدية ذات الطابع العالمي لم تضيق بالتنوع والاختلاف بل اعتبرته وأقرت بوجوده كحقيقة قائمة وواقعية بين البشر انطلاقا من قاعدة الاختلاف في قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم). فالاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لايزالون به هو الاختلاف في الأديان وقيل ولايزال الناس مختلفين على أديان شتى من بين يهودي، ونصراني ومجوسي ونحو ذلك فيما أشار إليه العلامة ابن جرير الطبري. وعلى ضوء هذه المساحة من الاختلاف وقبولها جاءت الوثائق السياسية والدستورية التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في دستور الدولة النبوية تعبر عن الأضواء والمعالم في تعامل الشريعة الإسلامية مع الآخرين. وإن انعقاد هذا اللقاء لدليل على الرؤى التي يتمتع بها خادم الحرمين الشريفن نحو الانفتاح والمناداة بوجوب وإلزامية الحوار لتحقيق التواصل المستنير بين الأمم والشعوب لوجود قواسم مشتركة وقيم مثلى لإقامة العدل، والسلام، وحفظ الأخطاء عن الإنسانية وهذا ينصب في معين خدمة الإسلام والمسلمين والأنظمة السياسية الإسلامية حتى تزال المفاهيم الخاطئة عن نظام الإسلام السياسي نظرا لكون الإسلام رسالة خير البشرية وللسلم العالمي وإقامة العلاقات الدولية الإسلامية على روح من السلم والتنوع الثقافي والقانوني بما يعكس فضاء أرحب لخدمة السلام العالمي. وهذا الالتقاء الإسلامي الأوروبي في أكاديمية عريقة يؤكد الأهمية للحوار بين الحضارات وأهل الديانات التي يوليها الملك عبدالله جل الرعاية والمتابعة وأن الاهتمام بهذا الملف الحواري الحضاري تأكيد للدور القيادي نحو إرساء سلم وأمن يسودان العالم وصون كرامة الإنسان وعدم تعرضه للمخاطر والحروب وضمان الاحترام الشامل والعدالة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي التقت الشرائع فيها على طاولة مد الجسور ونشر ثقافة التسامح والوئام والله ولي التوفيق. @استاذ السياسة الشرعية والأنظمة