كثرت الاجتهادات حول مآلات لجنة التحقيق في أحداث كارثة جدة وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، حتى قطع خادم الحرمين الشريفين هذا الجدل بقراره القاطع والواضح بتقديم كل من يثبت تورطه في الكارثة للقضاء. والآن، وإلى أن يفصل القضاء الشرعي العادل في تبرئة أو إدانة المتهمين، ليس من حق أحد أن يجتهد في التجريم والتبرئة طالما الأمر آل برمته أمام لجان التحقيق والقضاء التي تملك فيما نظن كل المعطيات التي تساعدها على النظر بحكمة وحيادية في هذه القضية. إلا أن اللافت في هذه القضية من زاوية أخرى، لاتمس سير العدالة أو التأثير في مسارها، ونعني زاوية التناول أو التعاطي الإعلامي إنه اتخذ مسارين. فعند وقوع الكارثه اندفعت وسائل الإعلام للتفاعل مع الحدث بشكل لافت وكبير جدا، ثم إنها، وبعد القرار الملكي الكريم بتشكيل لجنة للتحقيق برئاسة سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكهالمكرمة أبدت مختلف الآراء تجاوبا واسعا مع القرار واللجنة، ولم تلبث أن خفتت ضجة الجدل حول الموضوع، وليس خافيا مايدور من حوار تناثرت فيه الآراء في المواقع الاكترونية يصب أغلبه ويدور حول التشكيك في جدوى ما سيسفر عنه عمل اللجنة، وتناثرت الشائعات حول أسماء مسؤولين هنا وهناك، رجم بالغيب واعتمادا على اجتهادات شخصية. لقد كان في هذا قدر غير قليل من عدم المسؤولية في مقاربة حدث بهذا الحجم، فرمي التهم جزافا هكذا شيء لا يليق، بل هو محرم شرعا، وهناك على كل حال جهات مسؤولة ومخولة رسميا ونظاما بالبت في مثل هذه الأمور. ولكن من جهة الإعلام، كان هناك ما يشبه «التابو» في الحديث عن الأمر، ولو من باب التذكرة والمناصحة واستلهام العبر والدروس، وأعتقد، ولا أظن هناك من يختلف معي، بأن استلهام العبر والدروس من الأحداث، أيا كان نوعها، هو واحد من أهم وظائف وسائل الإعلام. إلا أنني، وقد كتبت عن هذا كثيرا من قبل، نميل لأن نضع خطوطا حمراء لا نتجاوزها ظنا بأننا نرضي ولاة الأمر أو المسؤولين في مختلف المواقع، في حين يريد ولاة الأمر منا أن نعكس لهم الواقع وأن نكون جميعا عيونا لهم ترى مالا يرون، لأننا بهذا نعينهم ليروا مواقع الخلل والخطأ، فيصدرون القرارات التي تعالج هذه المواقع. هذا ما يريده ولاة الأمر، فهم يخشون الله في أمانة المسؤولية عن الناس، وهم يسعون كما رأينا لإصلاح أحوال الناس، وهذا هو النهج الذي أرسى قواعده مؤسس هذه الدولة وسار عليه أبناؤه من بعده. وها هو خادم الحرمين الشريفين يؤكدها مرة أخرى لعلنا نفهم هذا التوجه، فهلا وعينا ؟!. أعتقد جازما أننا في حاجة ماسة لأن نزيل عن أعيننا هذه الخطوط الوهمية الحمراء، وأن نكون أكثر شفافية وموضوعية في تناول قضايانا، فهذا ما يريده منا ولاة الأمر. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة