أعادتني أمنية الروائي الكبير عبده خال – أثناء حفل تكريمه في نادي الاتحاد الرياضي في جدة، بمناسبة فوزه بجائزة البوكر – من أنه كان يتمنى أن يكون لاعبا في النادي العريق ولكنها أمنية لم تتحقق؛ أعادتني إلى استقراء علاقة الرياضة بالأدب في بلادنا، ولذا عدت إلى كتاب محمد علي مغربي (ملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز في القرن الرابع عشر) لذكريات تستحق أن تروى وبالذات لعلاقة الرياضة بالأديب في بلادنا .. ولنعد لما ذكره المغربي – رحمه الله – من أن ظهور لعبة كرة القدم في جدة أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات (الهجرية) أي بعد أن أصبحت جدة منضوية تحت الحكم السعودي الجديد، وأن أكبر وأشهر فريق كروي عرف آنذاك هو الاتحاد الذي تحول فيما بعد إلى نادي الاتحاد الحالي. وقال إن هناك فريقا رياضيا قد انسلخ من فريق الاتحاد، ويحمل اسم (الفريق الرياضي) ويضم الطبقة المتعلمة من أبناء العائلات وذكر منهم: حسين محمد نصيف مؤلف كتاب ماضي الحجاز وحاضره ، والنجل الأكبر لكبير جدة في ذلك الزمان الأفندي الشيخ محمد نصيف، والذي تولى رئاسة الفريق، ومن أعضائه الأستاذ والشاعر حمزة شحاته والأديب المعروف أحمد زاهد والشيخ عباس خميس الذي كان موظفا كبيرا في مديرية الحج العامة في جدة والذي أصبح يطلق عليه فيما بعد (الكابتن) إشارة إلى صلته بالكرة وغيرهم، وذكر أن حمزة شحاتة هو (الباك). وقال: ومن الغريب أن انفصال الفريق الرياضي عن الاتحاد أثر على علاقات بعض العائلات فلقد كان المرحوم الشيخ عمر نصيف (والد معالي الأستاذ عبدالله نصيف) من فريق الاتحاد بينما شقيقه الأكبر الأستاذ حسن نصيف هو رئيس الفريق الرياضي، وقد اتخذ الفريق الرياضي له ملعبا خاصا في الجهة الجنوبية من مدينة جدة في منطقة باب شريف، بينما كان ملعب فريق الاتحاد شرق مدينة جدة خلف الثكنة العسكرية، والواقع أن فريق الاتحاد كان هو الفريق الأقوى .. إلخ. وقد شجع الرياضة في جدة وجود البواخر التجارية والبواخر الحربية التي يقضي بحارتها وقت رسو البواخر في الميناء مما يشجع على إقامة مباريات تنافسية فيما بينهما. وبهذا نشرت صحيفة (صوت الحجاز) في عددها الرابع من السنة الأولى الصادر بتاريخ 26 ذي الحجة 1350ه الموافق 2 مايو 1932م وصفا لمباراة رياضية أقيمت في جدة بين بحارة الطراد البريطاني (هيستبتج) وبحارة منتخب البواخر التجارية في جدة. وأذكر أنني قد قرأت في صوت الحجاز وصفا تفصيليا لمباراة أقيمت في مكةالمكرمة في آخر عام 1350ه بين فريق المعهد السعودي الإسلامي وفريق الملايو الإندونيسي، وكنت أتساءل مما كان يتشكل الفريق إذ كان بينهم مشايخ وأدباء كبار وقتها كالأستاذين: حمد الجاسر وعبد الكريم الجهيمان وغيرهما. أعود إلى ما ذكرني به كتاب المرحوم محمد علي مغربي إذ كنت عام 1382ه حديث عهد بالعمل الوظيفي في رعاية الشباب، وكان أن سافر فريق كرة القدم في النادي الأهلي في الرياض ورافقتهم وكان مندوب رعاية الشباب نائب المدير محمد الزايدي ورئيس النادي أبو عبد الله محمد الصايغ – صائم الدهر – وكان أن طلب رئيس النادي من وزير العمل والشؤون الاجتماعية وقتها عبد الرحمن أباالخيل السماح لهم بالسفر أثناء عطلة عيد الأضحى عام 1382ه لقطر لمقابلة وتلبية دعوة نادي العروبة .. وتمت الاستجابة وكان السفر ، والمهم في الموضوع أن من بين أفراد الفريق عبدالله نور الأديب والكاتب المعروف – رحمه الله – وأذكر أنه لا يوجد في الدوحة وقتها سوى مكتبة واحدة هي مكتبة التلميذ إن لم تخني الذاكرة وكان صاحبها عبد الله حسين نعمة وابنه يوسف الطالب في جامعة بيروت وقتها والسفير في الهند مؤخرا كما سمعت. المهم أن عبد الله نور قد اشترى كتابا جديدا لنازك الملائكة (قضايا الشعر المعاصر)، ولم يسبق لي أن عرفت عبد الله قبل ذلك، ولكني فوجئت به يقرأ شيئا مما في الكتاب على بعض اللاعبين. وكنت أعتقد أن أحدهم قد أوصاه به ولكن عندما شاهدته في اليوم التالي وهو يقرأ في الصفحات الأخيرة ويشرح لبعضهم معاني المفردات .. استغربت ذلك مع ازدياد إعجابي به، وفي اليوم التالي والمباراة الثانية تقام كما أذكر مع فريق شركة الزيت في (مسيعيد) أجد مدرب الفريق السوداني السر سالم يشارك في المباراة ويخرج مع بداية الشوط الثاني فيدخل بدلا منه عبد الله نور.. وأنا أقرأ مذكرات الدكتور عبد الله مناع (بعض الأيام وبعض الليالي) يصف وهو في المدرسة الإعدادية أنه يلعب الكرة مع أقرانه في الحارات في برحة أبو داود وحديقة السفارة الهندية. وكان رياضيا بحكم المولد والنشأة هلاليا بحريا، إذ إن والده كان سكرتيرا للنادي في أيام عزه وعنفوانه، وعمه الأصغر كان لاعبا من لاعبيه ثم سكرتيرا بعد اعتزاله للعب وكان يصف المعركة الحامية عندما التقى الهلال البحري مع الاتحاد .. إذ كانت الحارة لا تنام أملا وقلقا ... إلخ. ولعلنا لا ننسى أن أغلب رؤساء تحرير الصحف وأهمهم كان طريقهم يبدأ من التحرير الرياضي للصفحات المخصصة لها مثل: تركي السديري وخالد المالك وهاشم عبده هاشم وسليمان العيسى وغيرهم .. فلعل أحد الباحثين المهتمين يتتبع تاريخ الحركة الرياضية في بلادنا وعلاقتها أو علاقة لاعبيها بالأدب .. وطبعا سيتفرع من ذلك أمور كثيرة أهمها النشاط الثقافي والأدبي الذي تنظمه الأندية الرياضية بين جنباتها .. وفي السنوات الأخيرة توقفت تلك النشاطات بعد انتقال الشؤون الثقافية من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام. فليت ما كان يعود لسابق عهده، فالأندية الرياضية تعتبر مجالا مناسبا لنشر الثقافة والوعي بين اللاعبين والمشجعين. ولعلها فرصة مناسبة أن أذكر أن الأندية الرياضية تحمل بسماها (رياضي ثقافي اجتماعي) وقد كانت منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما تجرى فيها المسابقات الثقافية المختلفة ضمن مهرجان مسرحي سنوي إلى معارض للفنون التشكيلية إلى مسابقات في القصة والشعر والمقالة إلى محاضرات وندوات يستضاف فيها كبار الأدباء والمشايخ والمفكرين، وكان مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب في كل منطقة من مناطق المملكة التي تقارب خمسة عشر مكتبا تقيم حفلا سنويا يضم أهم الفقرات المختارة من الحفلات المسرحية التي تختارها مما تقيمه الأندية، ثم تأتي لجنة مسرحية من الرئاسة لتختار أهم الفقرات لتقام في مهرجان سنوي يقام في العاصمة لمدة أسبوع تحت رعاية الرئيس العام لرعاية الشباب وهكذا بقية النشاطات التي تدفعها الرئاسة للأندية جوائز ومكافآت مالية تقديرا لهذا النشاط. ولكنه توقف أو ألغي منذ سنوات رغم حاجة مثل هذه التجمعات الشبابية للثقافة ورفع مستوى ذائقتها الفنية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة