هناك نصوص تصلح لكل شيء.. إلا الغناء وإن كتب لها أن تغنى فهي بلا شك بحاجة إلي رؤية عميقة تجاهها لإخراجها بكل أبعادها أداء ولحنا وموسيقى.. وأظن أن هناك تجارب فريدة للمجنون زياد رحباني في غناء نصوص مشاكسة جدا مثل (شو هالإيام اللي وصلنا لا) فهو نص يضرب في كل اتجاه أداء ولحنا وموسيقى.. لكنه يتكئ على رؤيته العبقرية ومواقفة المعارضة بسخرية للكثير من الأوضاع في البلد، ليس غريبا على زياد أن يفعل هذا.. الغريب هو أن لا يفعل.. من يُرحبن الفن في الخليج؟ أجمل ما في فيروز (صوتها) وأجمل ما في صوتها شِعر (الرحابنة) وأجمل ما في شِعر الرحابنة (موسيقاهم). هذه الثلاثية العظيمة هي أركان مدرسة الحب والتسامح التي ملأت الدنيا غناء وسنا، لم يكن صوتها وحده قادرا على النجاح بهذا القدر.. ولم يكن شعرهم وحده قادرا على النجاح بهذا القدر.. ولم تكن موسيقاهم وحدها قادرة على النجاح بهذا القدر.. وحدهم من التقط الخيط الرفيع بين ما يصلح للغناء وما يصلح الغناء..! عبقرية خياراتهم من الشعر تقول وتؤكد مدى مقدرتهم الفائقة على النفاذ بكل بهجة الياسمين إلى الأرواح العامرة الغامرة.. لم يكن الفن (شعرا وصوتا وموسيقى) مجرد كاسيت موسمي في شباك البيع.. لم ينظروا إلى (الفن) كسلعة استهلاكية. في الخليج كانت هناك محاولات جاده للخروج بأعمال مشابهة، أجمل هذه الأعمال وأقربها للكمال الفني كانت في الكويت.. حينما كانت الكويت تغني..! فكل من وعى صوت سناء الخراز وشادي الخليج وهما يغنيان للكويت والخليج بفن ذي نكهة خليجية خالصة عرفنا من خلالها شجن (اليامال) وحماسة رقصة (العرضة) وتآلف فيها (الفلكلور) و(الفلكلور) دون حياء أو دون حاجة لكتابة (العتابا) أو (الميجنا) كما يحدث أخيرا..! نقطة التشابه بين ما قدمته المدرسة الرحبانية وما قدمته اللوحات الغنائية لل(المعاهد الخاصة) في الكويت هو في النظرة الشاملة للفن في (الشعر والموسيقى والصوت) وتقديم الفلكلور والحكايات الشعبية من خلال مقاطع غنائية مشبعة بالبساطة والعمق تؤكد أن هناك نظرة خاصة إلا أن الإنسان ينطلق إلى الآخر من ذاته ليحترمه الآخر، إلا أن المدرسة الرحبانية امتدت لما هو أكثر وأكثر في عمق التجربة الإنسانية والحب فالتصقت بالإنسان وكل شجونه أكثر وأكثر.. بينما بقي صوت سناء الخراز وشادي الخليج يعبق بالوطن.. و(وستنمو على الأرض أرض جديدة)..!* الآن ليس هناك تجارب مماثلة.. لأن الفن لم يعد يعنيه إلا الإنسان المستهلك ولم يعد هناك ذات النظرة الشاملة للفن.. فضلع واحد من أضلاع الفن موجود والباقي مفقود في منافذ التسويق..!